للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعيسى متقاربان في زمن ولادتهما، وأن عيسى قد رفع، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة تبين لك أن يحيى لم يعش ثلاثين عاما. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على حبيبنا، وشفيعنا محمد وعلى يحيى، وزكريا، وعيسى وجميع الأنبياء، والمرسلين، وسلم.

{وَاُذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ اِنْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦)}

الشرح: {وَاذْكُرْ:} الخطاب لسيد الرسل صلّى الله عليه وسلّم، {فِي الْكِتابِ:} في القرآن. {مَرْيَمَ:}

المراد قصة مريم، وما تضمنت من آيات، وعبر. {إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها} أي: تنحت، وتباعدت عن قومها. هذا؛ والنبذ: الطرح، والرمي. قال تعالى: {فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ} والانتباذ:

الاعتزال، والانفراد، وهو المراد هنا. واختلف لم انتبذت؟ قال الخازن: كان ذلك في يوم شات شديد البرد، فجلست في مشرق بيت المقدس تفلي رأسها. وقيل: تغتسل. وقيل:

لتعبد الله، وهذا أحق بالاعتبار، وأولى. {مَكاناً شَرْقِيًّا} أي: مكانا في الجهة الشرقية، ولهذا اتخذت النصارى المشرق قبلة.

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إني لأعلم النّاس لم اتخذ النصارى المشرق قبلة لقوله عز وجل: {إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا} فاتخذوا ميلاد عيسى عليه السّلام قبلة. وقالوا: لو كان شيء من الأرض خيرا من المشرق لوضعت مريم عيسى عليه السّلام فيه. واختلف في نبوة مريم، فقيل: كانت نبية بهذا الإرسال، والمحاورة للملك، والمعتمد: أنها لم تكن نبية، وإنما هي ولية. انظر ما ذكرته في هذا الصدد في الآية رقم [٤٢] من سورة (آل عمران). وانظر نذر أمها لها، وكفالة زكريا لها في الآية رقم [٣٥] وما بعدها من سورة (آل عمران) تجد ما يسرك.

ومريم بالعبرية بمعنى: الخادم ثم سمي به كثير من النساء، ومريم في لسان العرب: هي التي تكره مخالطة الرجال، ولم تذكر امرأة باسمها صريحا في القرآن الكريم إلا مريم، وقد ذكرت فيه في ثلاثين موضعا. هذا؛ وفي القاموس المحيط: المريم هي التي تحب مخالطة الرجال، ولا تفجر، وهذا يناقض ما قبله. قال الشاعر: [الطويل]

وزائرة ليلا كما لاح بارق... تضوّع منها للكساء عبير

فقلت لها: أهلا وسهلا أمريم؟ ... فقالت: نعم من أنت؟ قلت لها: زير

الإعراب: {وَاذْكُرْ:} الواو: حرف استئناف، أو حرف عطف عطف قصة مريم على قصة زكريا ويحيى عليهما السّلام. (اذكر): أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {فِي الْكِتابِ:}

متعلقان به. {مَرْيَمَ:} مفعول به، وانظر الشرح. {إِذِ:} ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب بدلا من {مَرْيَمَ} لأن الأحيان مشتملة على ما فيها؛ لأن المقصود بذكر مريم ذكر وقتها لوقوع هذه القصة العجيبة فيه. قاله الزمخشري. وقيل: هو منصوب بالمحذوف المضاف

<<  <  ج: ص:  >  >>