للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خاتمة: لقد عرفت: أن زكريا-عليه السّلام-قد شاخ، وكبر. وأن امرأته قد بلغت سن الشيخوخة، وتجاوزت سن اليأس من الحمل بالولد، وينبغي أن تعلم: أن الذي حفزه وشجعه على طلب الولد من الله هو ما رآه من إكرام الله لمريم التي كفلها، وأشرف عليها؛ حيث رآها تأكل فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، فعلم: أن القادر على ذلك قادر على الإتيان بالولد على الكبر، انظر ما ذكرته في الآية رقم [٣٧] من سورة (آل عمران) وما بعدها.

فولد يحيى عليه السّلام، وتولاه ربه، ورعاه برعايته، وحفظه من المعاصي والسيئات، وكمله، وجمله بأحسن الصفات، وكريم الأخلاق، وقد ساد الناس في عبادة الله، وطاعته، وقد برع في الشريعة الموسوية، وصار مرجعا مهمّا لكل من يستفتي في أحكامها، وكان أحد حكام فلسطين في عهده يقال له: هيرودس، وكانت له بنت أخ، يقال لها: هيروديا بارعة الجمال، أراد عمها أن يتزوجها، وكانت البنت وأمها تريدان ذلك، غير أن يحيى عليه السّلام لم يرض عن هذا الزواج؛ لأنه محرّم، فانتهزت أم الفتاة إخراج بنتها إلى عمها في زينتها، فرقصت أمامه، فسرّ منها وطلب إليها أن تقول ما تتمناه ليعمله لها، وكانت أمها قد لقنتها أن تطلب منه رأس يحيى بن زكريا في هذا الطبق إذا سألها عمها أن تقول ما تتمناه، فقال: ويحك سليني غير هذا! قالت:

لا أسألك غيره، فلما أبت عليه بعث إليه، فأتي برأسه في الطبق، والرأس يتكلم حتى وضع بين يديه، وهو يقول: لا تحل لك، فلما أصبح إذا دمه يغلي، ويفور، فأمر بتراب فألقي عليه، فارتفع الدم فوقه، فلم يزل يغلي ويفور؛ حتى أتى بختنصر كما ستعرفه.

فلما سمع زكريا عليه السّلام أن ابنه يحيى قد قتل انطلق هاربا في الأرض حتى دخل بستانا عند بيت المقدس فيه الأشجار، فنادته شجرة يا نبي الله إلى هنا! فلما أتاها انفتقت له الشجرة، ودخل في وسطها، وانضمت عليه، فأخذ إبليس أخزاه الله بطرف ردائه، فأخرجه من شقها، وأخذ الملك وأعوانه يبحثون عن زكريا عليه السّلام حتى أتوا البستان، فدلهم إبليس على الشجرة التي دخلها زكريا، وأراهم طرف ردائه، فأخذوا المناشير ونشروا الشجرة نصفين، فسلط الله عليهم أخبث أهل الأرض علجا مجوسيّا، فانتقم الله به من بني إسرائيل بدم يحيى وزكريا على نبينا، وحبيبنا، وعليهما ألف ألف صلاة، وألف ألف سلام، فقتل عظماءهم، وسبى منهم مائة وسبعين ألفا. انتهى. من قصص الأنبياء للنجار، وللثعلبي بتصرف كبير. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٥] من سورة (الإسراء)، وهكذا كان خبث بني إسرائيل، وخروجهم عن طاعة الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وقد نوّه القرآن الكريم بذلك في كثير من آياته، والله الموفق، والمعين، وبه أستعين.

تنبيه: وينبغي أن تعلم أن قتل هذين النبيين كان في حياة عيسى، وأنهم كانوا جميعا في زمن واحد، ولم يذكر أحد عمر يحيى عليه السّلام، غير أن عبد الوهاب النجار قال: ولما بلغ المسيح: أنّ يحيى قد قتل جهر بدعوته وقام في الناس واعظا. انتهى. وإذا علمت أن يحيى،

<<  <  ج: ص:  >  >>