للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرغب أن يبني المعالي خالد... ويرغب أن يرضى صنيع الألائم

حيث حذف الجار قبل «أن» في الموضعين، وهو محتمل؛ لأن يكون: «في» أو «عن» في الموضعين، فإن قدر «في». أولا و «عن». ثانيا كان مدحا، وإن عكس كان ذما، ولا يجوز أن يقدر فيهما معا (في)، أو (عن) للتناقض كما هو ظاهر بأدنى تأمل، ومثل هذا الفعل: «ادعى» يقال: ادّعى فلان في بني هاشم: إذا انتسب إليهم، وادّعى عنهم: إذا عدل بنسبه عنهم، ومثله أيضا: «عدل» و «مال» و «انحرف» وغير ذلك كثير، وهذا مما يدل على اتساع اللغة العربية، وشمولها.

الإعراب: {عَسى:} فعل ماض جامد، يدل على الرجاء، مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {رَبُّنا:} اسم {عَسى} و (نا): في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، {أَنْ:} حرف مصدري ونصب. {يُبْدِلَنا:} فعل مضارع منصوب بأن، والفاعل يعود إلى ربنا، و (نا) مفعول به أول، و (أن) والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل نصب خبر {عَسى} والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول. {خَيْراً:} مفعول به ثان.

{مِنْها:} جار ومجرور متعلقان ب‍: {خَيْراً}. {إِنّا:} حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها. {إِلى رَبِّنا:} متعلقان بما بعدهما، و (نا): في محل جر بالإضافة... إلخ. {راغِبُونَ:} خبر (إنّ) مرفوع، وعلامة رفعه الواو... إلخ، والجملة الاسمية تعليل للرجاء، وهي من جملة القول.

{كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣)}

الشرح: {كَذلِكَ الْعَذابُ} أي: عذاب الدنيا، وهلاك الأموال. عن ابن زيد. وقيل: إن هذا؛ وعظ لأهل مكة بالرجوع إلى الله لما ابتلاهم بالجدب والقحط، لدعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم، أي: كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا في الدنيا. {وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ..}. إلخ، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هذا مثل لأهل مكة حين خرجوا إلى بدر، وحلفوا: ليقتلن محمدا صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، وليرجعن إلى مكة؛ حتى يطوفوا بالبيت، ويشربوا الخمر، وتضرب القينات على رؤوسهم؛ فأخلف ظنهم، وأسروا، وقتلوا، وهزموا كأهل هذه الجنة لمّا خرجوا عازمين على الصرام، فخابوا. انتهى. قرطبي. أقول:

قد تقدم: أن السورة مكية، فيبعد حمل الآية على ما أصاب أهل مكة يوم بدر، والأولى حملها على ما أصاب قريشا من الجدب، والقحط. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

هذا؛ والمراد ب‍: {الْآخِرَةِ} الحياة؛ التي تكون بعد الموت، وما فيها من نعيم مقيم، أو عذاب أليم، وهي الحياة الثانية الأبدية التي تكون بعد البعث والنشور، وبعد الحساب والجزاء، وهي في الجنة لمن آمن، وعمل صالحا، وفي النار لمن كفر، وعمل سيئا. ورحم الله من قال: [البسيط]

الموت باب وكلّ الناس داخله... فليت شعري بعد الباب ما الدّار؟

<<  <  ج: ص:  >  >>