للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ ضَلالاً (٢٤)}

الشرح: {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً:} الضمير للرؤساء، والكبراء؛ أي: أضلوا كثيرا من أتباعهم، فهو عطف على قوله: {وَمَكَرُوا مَكْراً كُبّاراً} وقيل: الضمير يعود إلى الأصنام المذكورة في الآية السابقة، والمعنى ضل بسببها كثير من الناس، فإنه قد استمرت عبادتها في العرب، والعجم، وسائر صنوف بني آدم، نظيره قوله تعالى حكاية عن قول إبراهيم على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النّاسِ} فإسناد الإضلال إلى الأصنام مجاز عقلي؛ لأنها سبب في حصول الإضلال، والهادي والمضل في الحقيقة هو الله وحده. وانظر الآية رقم [١٧] من سورة (المزمل). هذا؛ وقد جمع الضمير العائد على الأصنام بالواو التي هي لجماعة الذكور العقلاء؛ لأن الكفار كانوا يخاطبونها مخاطبة من يعقل، فنزلت منزلتهم.

{وَلا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ ضَلالاً:} دعاء من نوح عليه السّلام على قومه؛ لتمردهم، وكفرهم، وعنادهم. وهذا منه عليه السّلام لما أيس من إيمانهم بإخبار الله له بقوله: {لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ} رقم [٣٦] من سورة (هود) عليه السّلام، كما دعا موسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-على فرعون، وملئه بقوله: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ..}.

إلخ رقم [٨٨] من سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.

قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جاز أن يريد نوح لهم الضلال، ويدعو الله بزيادته؟! قلت:

المراد بالضلال أن يخذلوا، ويمنعوا الألطاف لتصميمهم على الكفر، ووقوع اليأس من إيمانهم، وذلك حسن، وجميل، ويجوز الدعاء به، بل لا يحسن الدعاء بخلافه. ويجوز أن يريد بالضلال:

الضياع، والهلاك. وأحسن منه قول الخازن: إنما دعا عليهم بعد أن أعلمه الله: أنهم لا يؤمنون، وهو قوله تعالى: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ} من سورة (هود) كما رأيت.

الإعراب: {وَقَدْ:} الواو: واو الحال. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال.

{أَضَلُّوا:} فعل ماض، وفاعله، والألف للتفريق. {كَثِيراً:} مفعول به، وهو في الأصل صفة مفعول به، التقدير: أضلوا ناسا كثيرا، والجملة الفعلية في محل نصب حال من واو الجماعة.

بقوله: (قالوا)، أو من: ود، وما عطف عليه حسب ما رأيت في الشرح من اعتبار رجوعه إلى الكبراء، أو إلى الأصنام، وعلى الاعتبارين؛ فالرابط: الواو، والضمير. هذا؛ واعتبر بعضهم الجملة مقولة لقول محذوف، التقدير: وقال: قد أضلوا. وهذا القول المقدر معطوف على القول السابق، أي: قال: إنهم عصوني، وقال: قد أضلوا. وهذا ينافي الشرح المتقدم، فالجملة الفعلية هذه من مقول نوح ضمنا لا صراحة، لوقوعها حالا عاملها الفعل (قالوا) المعطوف مع مقوله كله على جملة: {لَمْ يَزِدْهُ..}. إلخ الواقعة صلة للموصول، كما رأيت سابقا، فتبقى الجملة

<<  <  ج: ص:  >  >>