للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه: لقد عوملت (رأى) الحلمية هنا معاملة «رأى» العلمية في التعدي إلى مفعولين، كما تعدت بهمزة التعدية إلى الثالث، كما تعدى إلى الثالث، وذلك في قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ} الآية رقم [٤٤] من سورة (الأنفال)، كما عوملت الحلمية معاملة العلمية في اتحاد فاعلها ومفعولها، وهما ضميران متصلان وللمتكلم، وهذا لا يجوز في غير باب علم، وحسب وفقد، تنبه لذلك واحفظه؛ فإنه جيد.

{قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧)}

الشرح: {قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ} أي: لا يأتيكما طعام من منازلكما تأكلانه في ليل أو في نهار إلا أخبرتكما بقدره، ولونه، والوقت الذي يصل إليكما فيه، وهذا مثل معجزة عيسى عليه السّلام حيث قال: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} الآية رقم [٤٩] من سورة (آل عمران). {قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما}: قبل أن يصل إليكما ذلك الطعام. {ذلِكُما مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي} أي:

إن ما أخبركما به إنما هو من تعليم الله إلي، وفضله عليّ بالإلهام والوحي، وليس من قبيل السحر، والكهانة، والتنجيم. {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ}: المراد ب‍ {قَوْمٍ} العزيز وأهل بيته الذين عاشرهم وعاش معهم هذه المدة الطويلة، وقد كانوا على الكفر، وكان يوسف بينهم مقيما على التوحيد، والإيمان الصحيح. {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ} أي: وهم لا يعتقدون بالآخرة، وما فيها من الحساب، والجزاء، والجنة، والنار.

(أتى): وهو يستعمل لازما، إن كان بمعنى: حضر، وأقبل، ومتعديا إن كان بمعنى: وصل، وبلغ، فمن الأول قوله تعالى: {أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} ومن الثاني الآية الكريمة، ومثلها كثير، والمراد بالآخرة: الحياة الثانية التي تكون بعد الموت، ثم بعد البعث، والحساب، ودخول الجنة، والخلود فيها، ودخول النار، والخلود فيها، انظر {كَفُورٌ} في الآية [٩] من سورة (هود)، هذا؛ والكفر: ستر الحق بالجحود والإنكار، وكفر فلان النعمة، يكفرها كفرا وكفورا، وكفرانا، إذا جحدها وسترها وأخفاها، وكفر الشيء: غطاه وستره، وسمي الكافر كافرا؛ لأنه يغطي نعم الله بجحدها، وعبادته غيره، وسمي الزارع كافرا؛ لأنه يلقي البذر في الأرض، ويغطيه ويستره بالتراب، قال تعالى في تشبيه حال الدنيا: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ} وسمي الليل كافرا؛ لأنه يستر كل شيء بظلمته، قال لبيد بن ربيعة الصحابي-رضي الله عنه-في معلقته: [الكامل]

حتّى إذا ألقت يدا في كافر... وأجنّ عورات الثّغور ظلامها

{مِلَّةَ قَوْمٍ}: طريقتهم، وديانتهم، وهي بكسر الميم، وهي بفتح الميم: الرماد الحار.

الإعراب: {قالَ}: ماض، والفاعل يعود إلى يوسف تقديره: «هو». {لا}: نافية.

{يَأْتِيكُما}: مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والكاف مفعول به،

<<  <  ج: ص:  >  >>