والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. هذا؛ ويقرأ الفعل «(يكون)» بالنصب عطفا على {نَقُولَ،} وليست الفاء للسببية؛ لأن لفظ {كُنْ} أمر، ومعناه الخبر عن قدرة الله تعالى؛ إذ ليس ثمّ مأمور بأن يفعل شيئا. أفاده مكي بن أبي طالب القيسي.
الشرح:{وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا:} هم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه المهاجرون، ظلمهم كفار قريش، فهاجر بعضهم إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وأكثرهم هاجر إلى المدينة هجرة واحدة. أو المراد: المستضعفون، المحبوسون، المعذبون في مكة بعد هجرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهم: بلال، وعمار، وصهيب، وخباب، وعابس، وأبو جندل بن سهيل-رضي الله عنهم أجمعين-ومعنى {فِي اللهِ} لله، ولوجهه ف:{فِي} بمعنى: اللام، وهو مستعمل لغة.
{لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً:} المراد بالحسنة: نزولهم المدينة، أو هي: العزة، والكرامة، والنصر على الأعداء، أو هي: ما أغدقه الله عليهم من خيرات الدنيا. روي: أن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-كان إذا أعطى رجلا من المهاجرين عطاء، يقول له:(خذ هذا بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله تعالى في الدنيا، وما ادّخر لك في الآخرة أفضل). {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ} أي: أعظم، وأفضل، وأشرف مما أعطاهم في الدنيا. {لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} أي: لو كان الكفار يعلمون أن أجر الآخرة أكبر مما هم فيه من نعيم الدنيا؛ لرغبوا فيه، وآمنوا بالله ورسوله.
وقيل: الضمير راجع إلى المهاجرين، ويكون المعنى: لو كانوا يعلمون ما أعد الله لهم في الآخرة؛ لزادوا في الجد، والاجتهاد، والصبر على ما أصابهم من أذى المشركين.
بعد هذا؛ فالهجرة: ترك الأوطان، والأهل، والقرابة في الله، كما حصل للمسلمين الأولين، كما رأيت. هذا؛ وقد أطلق الله اسم الهجرة على الجهاد في سبيل الله تعالى في الآية رقم [٨٩] من سورة (النساء)، وهناك هجرة أخرى، وهي «هجرة» جميع المعاصي والابتعاد عنها، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه». هذا و «المبوّأ» المنزل الملزوم، ومنه بوّأه الله منزلا؛ أي: ألزمه إياه، وأسكنه فيه، وانظر الآية رقم [٨٧] من سورة (يونس) عليه السّلام.
الإعراب:{وَالَّذِينَ:} الواو: حرف استئناف. (الذين): اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، وأجاز أبو البقاء أن يكون في موضع نصب بفعل محذوف يفسره المذكور، وهو ضعيف؛ لأن الاشتغال لا وجه له هنا، وجملة:{هاجَرُوا فِي اللهِ} صلة الموصول، لا محل لها. {مِنْ بَعْدِ:} متعلقان بالفعل قبلهما أيضا: وتعليقهما بمحذوف حال من واو الجماعة لا بأس