حال المبذر بحال من يبسط يده كل البسط، فلا يبقى على شيء في كفه، ولا يدخر شيئا بنفعه في حال الحاجة، ليخلص إلى نتيجة مجدية، وهي: الاقتصاد في الإنفاق بين الإسراف والتقتير، وقد طابق في الاستعارة بين بسط اليد وقبضها من حيث المعنى؛ لأن جعل اليد مغلولة هو قبضها، وغلها أبلغ في القبض، وخذ قول أبي تمام في مدح المعتصم العباسي:[الطويل]
تعوّد بسط الكفّ حتى لو انّه... ثناها لقبض لم تطعه أنامله
هذا؛ و {كانَ} في القرآن الكريم تأتي على أوجه: بمعنى: الأزل، والأبد، وبمعنى: المضي المنقطع، وهو الأصل في معناها، وبمعنى: الحال، وبمعنى: الاستقبال، وبمعنى:«صار» وبمعنى: «ينبغي» وبمعنى: «حضر» أو «وجد» وترد للتأكيد، وهي الزائدة، وهي هنا بمعنى:
الاستمرار، فليست على بابها من المضي، وإن المعنى: كان، ولم يزل كائنا إلى يوم القيامة. وإلى أبد الآبدين في الدنيا، والآخرة. هذا؛ وقد قال بعض المفسرين: في الآية تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم.
الإعراب:{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {رَبَّكَ:} اسم إن، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {يَبْسُطُ:} مضارع، والفاعل يعود إلى {رَبَّكَ}. {الرِّزْقَ:} مفعول به. {لِمَنْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، و (من) تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر باللام، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذا التقدير: للذي، أو لشخص يشاؤه، وجملة:{يَبْسُطُ الرِّزْقَ..}. إلخ في محل رفع خبر {إِنَّ،} والجملة الاسمية تعليل للأمر، والنهي السابقين، وجملة:{وَيَقْدِرُ} معطوفة على جملة: {يَبْسُطُ..}. إلخ فهي في محل رفع مثلها. وانظر مثل إعراب:{إِنَّهُ كانَ..}. إلخ في الآية رقم [٣] والجار والمجرور: {بِعِبادِهِ} متعلقان بأحد الاسمين بعدهما على التنازع.
الشرح:{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ:} خوف الفقر، والفاقة، وأملق الرجل؛ أي: لم يبق له إلا الملقات، وهي الحجارة العظام الملس. {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيّاكُمْ:} هذا؛ وقال تعالى في سورة (الأنعام): {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيّاهُمْ} والفرق بينهما: أن ما هنا نهي للموسرين عن قتل الأولاد خشية وقوع الفقر بهم، وأن ما هناك نهي للمعسرين الفقراء عن قتل الأولاد من أجل فقر نازل بهم. {إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً:} إثما كبيرا يستوجب الخلود في جهنم. هذا؛ ويقرأ:
{خِطْأً} بقراءات كثيرة.
تنبيه: قتل الأولاد كان عملا فاشيا عند العرب قبل الإسلام، ولكن يرد هنا سؤال، هل كان قتل الأولاد يقتصر على قتل البنات، أم يتعدى إلى الذكور؟ المشهور: أن عامتهم كانوا يكرهون