لأنها وما بعدها في محل رفع بالابتداء، كما يجوز أن يكون بدلا من الضمير المستكنّ في الخبر المحذوف، وهو الأقوى. {عَلَّمْتَنا:} فعل وفاعل ومفعول به أول، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها، والعائد محذوف، وهو المفعول الثاني؛ إذ التقدير: الذي علمتنا إيّاه. هذا ويجوز اعتبار:{ما} مصدرية، فتؤوّل مع الفعل بعدها بمصدر، ويجوز بالمصدر الأوجه الثلاثة المذكورة آنفا. {إِنَّكَ:} حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمها. {أَنْتَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ:} خبران للمبتدإ، والجملة الاسمية في محل رفع خبر (إنّ). هذا ويجوز اعتبار الضمير توكيدا لاسم (إنّ) على المحل كما يجوز اعتباره ضمير فصل لا محل له، وعليهما ف:{الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} خبران ل (إنّ) وقيل: {الْحَكِيمُ} صفة {الْعَلِيمُ} ولا وجه له البتّة.
والجملة الاسمية:{إِنَّكَ..}. إلخ: في محل نصب مقول القول، والاستئناف ممكن بالإعراض عمّا قبلها.
الشرح:{قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ:} وذلك لمّا ظهر عجز الملائكة. فسمّى كلّ شيء باسمه، وذكر وجه الحكمة التي خلق لأجلها، وذلك ليعلموا: أنّه أعلم بما سألهم عنه تنبيها على فضله، وعلوّ شأنه، فكان أفضل منهم بأن قدّمه عليهم، وأسجدهم له، وجعلهم تلامذته، وأمرهم بأن يتعلموا منه، فحصلت له رتبة الجلال والعظمة، وفي هذا دليل على فضل العلم وأهله.
هذا؛ ولقد اختلف العلماء في هذا الباب: أيّهما أفضل: الملائكة، أم بنو آدم؟ على قولين:
فذهب قوم إلى أنّ الرسل من البشر أفضل من الرّسل من الملائكة، والأولياء من البشر أفضل من الأولياء من الملائكة، والعوام من البشر أفضل من عوام الملائكة. وذهب آخرون إلى أنّ الملأ الأعلى أفضل.
احتج من فضل الملائكة بقوله تعالى: {بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} الآيتان رقم [٢٦ - ٢٧] من سورة (الأنبياء)، وقوله تعالى في سورة (التحريم) الآية رقم [٦]: {لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ،} وفي الحديث القدسيّ: يقول الله عز وجل: «وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم». رواه البخاريّ، ومسلم، وغيرهما عن أبي هريرة، عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، واحتجّ من فضل بني آدم بقوله تعالى في سورة البينة الآية رقم [٧]:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ،} وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من سلك طريقا يلتمس به علما؛ سهّل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع... إلخ» الحديث. رواه أبو داود، والترمذيّ، وغيرهما، عن أبي الدرداء-رضي الله