للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرطبي باختصار كبير. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١] من سورة (يونس) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف ألف صلاة، وألف ألف سلام. ولا تنس: أن اللفظ يقرأ بقراءات كثيرة.

أما الإعراب، فهو منادى حذف منه حرف النداء على تفسيره ب‍: يا رجل، أو يا حبيبي، أو هو اسم علم له صلّى الله عليه وسلّم، أو هو فعل أمر على التفسير الأخير له، ولا محل له من الإعراب على اعتباره من الحروف المقطعة. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

{ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤)}

الشرح: لقد اختلف في سبب نزول هذه الآيات، فقال الكلبي: لما نزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم الوحي بمكة؛ اجتهد في العبادة، واشتدت عبادته، فجعل يصلي الليل كله زمانا حتى نزلت هذه الآية، فأمره الله تعالى أن يخفف عن نفسه، فيصلي، وينام، فنسخت هذه الآية قيام الليل، فكان بعدها يصلي، وينام. وقال مقاتل، والضحاك: فلما نزل القرآن على النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ قام هو، وأصحابه، فصلوا، فقال كفار قريش: ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى. وقيل: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان شديد التأسف والتحسر على عدم إيمان قومه، فيكون الكلام مثل الآية [٦] من سورة (الكهف). هذا؛ وأصل الشقاء في اللغة: العناء، والتعب. قال المتنبي: [الكامل]

ذو العقل يشقى في النّعيم بعقله... وأخو الجهالة في الشّقاوة ينعم

هذا؛ ومصدر الفعل يشقى: شقاء، وشقوة، وشقاوة، وهن ضدّ السعادة. وقد شقي شقاء، وشقاوة، وأشقاه الله، فهو شقي بيّن الشقاوة. وفي القاموس: الشقاء: الشدة، والعسر. وشقي، كرضي شقاء، وشقاوة.

{إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى} أي: يخاف الله تعالى، وإنما خص من يخشى بالتذكرة؛ لأنه هو الذي ينتفع بالموعظة، والتذكرة. {تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى} أي: نزله عليك يا محمد العلي القدير الذي خلق الأرض، والسموات العلية الرفيعة؛ التي لا يقدر على خلقها في عظمها، وعلوها إلا الله تعالى.

هذا؛ ويقرأ: «(ما نزّل عليك القرآن لتشقى)» والفرق بين أنزل ونزّل: فالأول: يفيد التنزيل جملة واحدة، وأما الثاني: فإنه يفيد: أن القرآن نزل مفرقا في ثلاث وعشرين سنة على حسب الوقائع، ومقتضيات الأحوال، على ما نرى عليه أهل الشعر، والخطابة، وهذا ممّا كان يريب المشركين، كما حكى سبحانه وتعالى عنهم: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً} فبين سبحانه الحكمة من ذلك بقوله: {كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً} وانظر شرح

<<  <  ج: ص:  >  >>