للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤)}

الشرح: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: في المحاربة، والمقاتلة، وإنما قال: {لَقِيتُمُ..}. إلخ ولم يقل: إذا لقيكم الذين كفروا، وهو أبين في الكلام؛ لأنّ ما لقيك فقد لقيته، وما لقيته فقد لقيك، قال الله تعالى: {فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ} قرئ برفع {آدَمُ} ونصب {كَلِماتٍ،} وقرئ بالعكس، والمعنى لا يتغير، فمعنى القراءتين واحد، كما قرئ قوله تعالى: {لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ} قرئ بالواو والياء، قال الفراء: معنى القراءتين واحد؛ لأنّ ما نلته فقد نالك، وما نالك فقد نلته.

{فَضَرْبَ الرِّقابِ:} أصله: فاضربوا الرقاب ضربا، فحذف الفعل، وقدم المصدر، وأنيب منابه مضافا إلى المفعول ضمّا إلى تأكيد الاختصار، والتعبير به عن القتل، إشعار بأنه ينبغي أن يكون بضرب الرقبة حيث أمكن، وتصوير له بأبشع صورة وأشنعها، وهو حزّ العنق، وإطارة العضو، الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه، ولقد زاد في هذه الغلظة في قوله تعالى في سورة (الأنفال) رقم [١٢]: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ}.

هذا؛ وفي قوله: {فَضَرْبَ الرِّقابِ} مجاز مرسل، علاقته ذكر الجزء، وإرادة الكل؛ لأنّ ضرب الرقاب كناية عن القتل، وبما أن قتل الإنسان أكثر ما يكون بضرب الرقبة؛ وقع عبارة عن القتل.

{حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ} أي: أكثرتم القتل فيهم، وأغلظتموه. من: الثخين، وهو الغليظ. قال تعالى في سورة (الأنفال) رقم [٦٧]: {ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}. أو المعنى: أثقلتموهم بالقتل، والجراح؛ حتى أضعفتموهم عن النهوض إلى القتال. {فَشُدُّوا الْوَثاقَ} أي: أؤسروهم وشدّوا وثاقهم حتى لا يفلتوا منكم، والوثاق بفتح الواو، وكسرها: اسم لما يوثق به؛ أي: يربط به من حبل، ونحوه. والجمع: وثق، مثل: رباط، وربط، وعناق، وعنق.

{فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً:} والمعنى التخيير بعد الأسر بين أن يمنوا عليهم، فيطلقوهم، وبين أن يفادوهم، فإن قلت: كيف حكم أسارى المشركين؟ قلت: أما عند أبي حنيفة-رحمه الله تعالى- وأصحابه؛ فأحد أمرين: إما قتلهم، وإما استرقاقهم؛ أيهما رأى الإمام، ويقولون في المنّ، والفداء المذكورين في الاية: نزل ذلك في يوم بدر، ثم نسخ. وعن مجاهد: ليس اليوم منّ، ولا فداء، وإنما هو الإسلام، أو ضرب العنق. ويجوز أن يراد بالمن، أن يمنّ عليهم بترك القتل، ويسترقوا، أو يمنّ عليهم فيخلّوا لقبولهم الجزية، وكونهم من أهل الذمة، وبالفداء أن يفادى

<<  <  ج: ص:  >  >>