{قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦)}
الشرح: أي: قل لهم يا محمد: إن علم وقت قيام الساعة، ونزول العذاب بكم عند الله فلا يعلمه غيره، لكن أمرني أن أخبركم: أن هذا كائن، وواقع لا محالة، فاحذروه. فهو كقوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٨٧]: {قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي}. {وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي: مخوّف، ومعلم لكم، وما عليّ إلا البلاغ، وقد أديته إليكم، فهو كقوله تعالى في سورة (المائدة) رقم [٩٩]:
{ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ،} وفي كثير من الآيات: {وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} وفي سورة (النور) رقم [٥٤]، وفي سورة (العنكبوت) أيضا رقم [١٨]: {وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}.
الإعراب: {قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {إِنَّمَا:} كافة ومكفوفة.
{الْعِلْمُ:} مبتدأ. {عِنْدَ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، و {عِنْدَ} مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول. {وَإِنَّما:} (الواو): حرف عطف.
(إنما): كافة ومكفوفة. {أَنَا:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {نَذِيرٌ:}
خبره. {مُبِينٌ:} صفة {نَذِيرٌ،} والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول مثلها، وجملة: {قُلْ..}. إلخ لا محل لها.
{فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧)}
الشرح: {فَلَمّا رَأَوْهُ} يعني: العذاب في الآخرة على قول أكثر المفسرين. وقيل: يعني:
العذاب ببدر. {زُلْفَةً:} مصدر بمعنى: مزدلفا؛ أي: قريبا. والزلفة: القربة، ومثلها: الزلفى (بالقصر). قال تعالى: {وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً}.
رقم [٣٧] من سورة (سبأ)، والجمع: زلف، وزلفات بضم اللام وفتحها. هذا؛ والزلفة:
الدرجة، والمنزلة، والطائفة من الليل، والجمع: زلف، قال تعالى في سورة (هود) رقم [١١٤] مخاطبا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ..}. إلخ.
{سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: علتها الكآبة، وساءتها رؤية العذاب، وظهر على وجوههم سمة تدل على كفرهم، كما قال تعالى في سورة (آل عمران) رقم [١٠٦]: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} وهذه القترة التي ذكرها الله تعالى في سورة (عبس): {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ}.
{وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ:} من الدعاء، أي: تتمنون، وتطلبون أن يعجله الله لكم، قال قتادة -رحمه الله تعالى-: هو قولهم: {رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ} رقم [١٦] من سورة (ص)، وقال الضحاك: هو قولهم: {اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ} رقم [٣٢] من سورة (الأنفال). هذا؛ والتعبير بالماضي عن المستقبل،