قال: أخبريني يا مريم، هل ينبت زرع بغير بذر؟ وهل ينبت شجر بغير غيث؟ وهل يكون ولد من غير ذكر؟ قالت: نعم ألم تعلم أن الله أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر؟ ألم تر أن الله أنبت الشجرة بالقدرة من غير غيث؟ أو تقول أن الله تعالى لا يقدر أن ينبت الشجرة حتى استعان بالماء، ولولا ذلك لم يقدر على إنباتها. قال يوسف: أنا لا أقول هذا، ولكني أقول: إن الله تعالى قادر على كل شيء، يقول له: كن فيكون. قالت له مريم: ألم تعلم أن الله خلق آدم، وامرأته من غير ذكر، ولا أنثى، فعند ذلك زال ما عنده من التهمة، وكان ينوب عنها في خدمة المسجد لاستيلاء الضعف عليها بسبب الحمل، فلما دنت، ولادتها، أوحى الله إليها أن اخرجي من أرض قومك. انتهى خازن. وهذا يفيد أن مدة الحمل متطاولة، والمشهور: أن مريم عليها السّلام، كانت مخطوبة لابن عمها يوسف المذكور، والله أعلم بحقيقة الحال. هذا؛ وانظر لشرح (انتبذت) في الآية رقم [١٦]. {قَصِيًّا:} بعيدا. من أهلها، وراء الجبل، إلى أقصى الوادي، وهو وادي بيت لحم، وإنما بعدت، وتنحت فرارا من تعيير قومها إياها بالولادة من غير زوج.
الإعراب:{فَحَمَلَتْهُ:} الفاء: حرف استئناف. (حملته): ماض، والتاء للتأنيث، والهاء مفعول به، والفاعل يعود إلى مريم، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، وهي في الحقيقة معطوفة على جملة محذوفة، انظر الشرح. وانظر إعراب مثل:{فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا} في الآية رقم [١٦] والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، والجار والمجرور:
{بِهِ} متعلقان بمحذوف حال من الفاعل المستتر، التقدير: انتبذت؛ وهو معها في بطنها.
{فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣)}
الشرح:{فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ..}. إلخ: أي: ألجأها شدة الطلق إلى ساق النخلة لتعتمد عليه، ولتستر به، وكان جذعا يابسا لا رأس له، ولا ورق فيه، وكان الوقت شتاء، فلما اعتمدت عليه؛ اخضر، وأطلع الجريد، والخوص، والثمر الطيب في وقت واحد، سبحانه وتعالى من إله قادر مقتدر، وال التعريف، إما للجنس، وإما للعهد؛ إذ لم يكن ثمة غيرها، وكانت كالمتعالم عند الناس. هذا؛ والفعل:(أجاء) منقول من جاء، إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء، والاضطرار، ونظيره: آتى حيث لم يستعمل إلا في الإعطاء، وهو منقول من: أتى بمعنى: جاء. هذا؛ ويقرأ: «(فاجأها)» من المفاجأة، ويقرأ {الْمَخاضُ} بفتح الميم وكسرها.
{قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا} أي: اليوم، أو الحمل، أو الولادة، تمنت الموت استحياء من الناس، وخوفا من الفضيحة، وتعيير أهلها بها، وذلك يكون فيه هتك لكرامتهم، وحط لشرفهم.
هذا؛ و {مِتُّ} يقرأ بكسر الميم، وضمها. {وَكُنْتُ نَسْياً} أي: ما من شأنه أن ينسى،