للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سورة الجنّ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة (الجن) مكية في قول الجميع، وهي ثمان وعشرون آية، ومئتان وخمس وثمانون كلمة، وثمانمئة وسبعون حرفا.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اِسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (١)}

الشرح: اختلف قديما في ثبوت وجود الجن، فأنكر وجودهم معظم الفلاسفة، واعترف بوجودهم جمع منهم، وسموهم بالأرواح السفلية، وزعموا: أنهم أسرع إجابة من الأرواح الفلكية، إلا أنهم أضعف، وأما جمهور أرباب الملل، وهم أتباع الرسل، والشرائع، فقد اعترفوا بوجود الجن، لكن اختلفوا في ماهيتهم، فقيل: الجن حيوان هوائي يتشكل بأشكال مختلفة. وقيل: إنها جواهر، وليست بأجسام، ولا أعراض، ثم هذه الجواهر أنواع مختلفة بالماهية، فبعضها خيرة كريمة محبة للخيرات، وبعضها دنيئة خسيسة شريرة محبة للشرور، والآفات، ولا يعلم عدة أنواعهم إلا الله تعالى.

وقيل: إنهم أجسام مختلفة الماهية، لكن تجمعهم صفة واحدة، وهي كونهم حاصلين في الحيّز، موصوفين بالطول، والعرض، والعمق، وينقسمون إلى لطيف، وكثيف، وعلوي، وسفلي، ولا يمتنع في بعض الأجسام اللطيفة الهوائية أن تكون مخالفة لسائر أنواع الأجسام في الماهية، وأن يكون لها علم مخصوص، وقدرة مخصوصة على أفعال عجيبة، أو شاقة يعجز البشر عن مثلها، وقد يتشكلون بأشكال مختلفة، وذلك بإقدار الله تعالى إياهم على ذلك. وقيل:

إن الأجسام متساوية في تمام الماهية، وليست البنية شرطا للحياة، وهذا قول الأشعري، وجمهور أتباعه، وشذ تأويل المعتزلة من هذه الأمة، فأنكروا وجود الجن، وقالوا: البنية شرط الحياة، وأنه لا بد من صلابة البنية حتى يكون قادرا على الأفعال الشاقة. وهذا قول منكر، وصاحب هذا القول ينكر خرق العادات، ورد ما ثبت وجوده بنص الكتاب، والسنة. انتهى خازن؛ علما بأن الزمخشري صرح في كشافه بوجود الجن.

هذا؛ واختلف الرواة: هل رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم الجن؟ فأثبتها ابن مسعود-رضي الله عنه-فيما رواه عنه الإمام مسلم في صحيحه، وقد تقدم حديثه في تفسير سورة (الأحقاف)، عند قوله

<<  <  ج: ص:  >  >>