للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ} رقم [٢٩] وأنكرها ابن عباس-رضي الله عنهما-، فيما رواه عنه البخاري، ومسلم. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الجن، ولا رآهم، انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين، وبين خبر السماء، وأرسالات عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقيل: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسالات علينا الشهب، قالوا: وما ذاك إلا من شيء حدث؟ فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء؟ فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن؛ استمعوا له، وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء، فرجعوا إلى قومهم {فَقالُوا إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً} زاد في رواية: وإنما أوحي إليه قول الجن. أخرجاه في الصحيحين.

قال القرطبي في شرح مسلم في حديث ابن عباس-رضي الله عنهما-: هذا معناه: أنه لم يقصدهم بالقراءة، بل لما تفرقوا يطلبون الخبر، الذي حال بينهم وبين استراق السمع؛ صادف هؤلاء النفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي بأصحابه، وعلى هذا فهو صلّى الله عليه وسلّم لم يعلم باستماعهم، وإنما أعلمه الله عز وجل بما أوحي إليه من قوله: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} وأما حديث ابن مسعود-رضي الله عنه-فقضية أخرى، وجن آخرون.

والحاصل من الكتاب، والسنة: العلم القطعي بأن الجن، والشياطين موجودون متعبّدون بالأحكام الشرعية على النحو الذي يليق بخلقهم وبحالهم، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم رسول إلى الإنس والجن، فمن دخل في دينه؛ فهو من المؤمنين معهم في الدنيا، والآخرة، والجنة، ومن كفر به، فهو من الشياطين المبعدين المعذبين فيها، والنار مستقره، وهذا الحديث يقتضي: أن الرجم بالنجوم لم يكن قبل البعث، وذهب قوم إلى أنه كان قبل مبعثه صلّى الله عليه وسلّم، وآخرون إلى أنه كان؛ لكن زاد بهذا المبعث، وبهذا القول يرتفع التعارض بين الحديثين. هذا آخر كلام القرطبي، والله أعلم. انتهى. خازن. هذا؛ وانظر ما ذكرته في سورة (الأحقاف) فإنه جيد والحمد لله.

هذا؛ وعكاظ: سويقة معروفة بقرب مكة، كان العرب يقصدونها في كل سنة مرة في الجاهلية، وأول الإسلام، وتهامة كل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز سميت تهامة، لتغير هوائها، ومكة من تهامة معدودة، ونخلة: واد من أودية مكة قريب منها.

التفسير: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} أي: قل: يا محمد أوحي إليّ، {أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} أي:

استمعوا إلى قراءتي القرآن. {فَقالُوا} أي: الذين استمعوا القرآن قالوا لقومهم. {إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً:} عظيما بديعا مباينا لكلام الناس في حسن نظمه، ودقة معناه، وفصاحته، وبلاغته. وانظر الفرق بين (الملائكة) و (الجن) في آخر هذه السورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>