للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠)}

الشرح: {يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ:} المهل: دردي الزيت، وعكره. قاله ابن عباس-رضي الله عنهما-وغيره. وقال ابن مسعود-رضي الله عنه-: هو ما أذيب من الرصاص، والنحاس، والفضة. وقال مجاهد: {كَالْمُهْلِ:} كقيح من دم، وصديد. وخذ قوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [٢٩]: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ،} وقوله تعالى في سورة (الدخان):

{كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} انظر شرحهما في محلهما. {وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ:}

كالصوف المصبوغ. ولا يقال للصوف: عهن إلا أن يكون مصبوغا. وقال الحسن: العهن:

الصوف الأحمر، وهو أضعف الصوف، ومنه قول زهير في معلقته رقم [١٢]: [الطويل]

كأنّ فتات العهن في كلّ منزل... نزلن به حبّ الفنا لم يحطّم

وإنما فسر (العهن) بالصوف، ووصف بالمصبوغ؛ لأن الجبال جدد بيض، وحمر مختلف ألوانها، وغرابيب سود، فإذا بسّت وطيّرت في الجو؛ أشبهت العهن المنفوش؛ إذا طيرته الريح.

والمعنى: أن الجبال تلين بعد الشدة، وتتفرق بعد الاجتماع. وقيل: أول ما تتغير الجبال تصير رملا مهيلا. قال تعالى في سورة (المزمل): {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً،} ثم عهنا منفوشا، ثم هباء منبثا، قال تعالى في سورة (الواقعة): {وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا} وانظر ما ذكرته في سورة (النمل) رقم [٨٨] فإنه جيد جدا، والحمد لله. وقد أعدته في سورة (النبأ) برقم [٢٠]. ومثل هذه السورة قوله تعالى في سورة (القارعة): {وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ}. {وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} أي: لا يسأل قريب قريبه؛ لشغله بشأن نفسه.

والمعنى: لا يسأل الحميم حميمه كيف حالك، ولا يكلمه؛ لهول ذلك اليوم، وشدته. وقيل: لا يسأله الشفاعة، ولا يسأله الإحسان إليه، ولا الرفق به، كما كان يسأله في الدنيا، وذلك لشدة الأمر، وعظيم الهول يوم القيامة. كما قال تعالى في سورة (عبس) رقم [٣٧]: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} هذا؛ وقرئ: «(ولا يسأل)» بالبناء للمجهول على أن المعنى لا يسأل حميم عن حميمه، ولا ذو قرابة عن قرابته، بل كل إنسان يسأل عن عمله، كما قال تعالى في سورة (المدثر) رقم [٣٨]: {كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}.

تنبيه: قال تعالى في سورة (الطور) رقم [٢٥]، وفي سورة (الصافات) رقم [٥٠]، وفيها أيضا برقم [٢٧]: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ} وقال هنا: {وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً،} وقال في سورة (المؤمنون) رقم [١٠٢]: {فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ}. وظاهر

<<  <  ج: ص:  >  >>