يقول: إن صاحبي تمنى أخيرا أن يكون أطاعني فيما نصحته، وأشرت إليه أولا، والحال:
أنه قد حدثت أمور بعد أمور دلت على رشادي، وصدق رأيي. وقال آخر: [الطويل] قعدت زمانا عن طلابك للعلا... وجئت نئيشا بعد ما فاتك الخبر
وقال الفراء: الهمز، وترك الهمز في التناوش متقارب، مثل ذمت الرجل وذأمته أي عبته.
{مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} أي: من الآخرة؛ لأن الإيمان في الدنيا، وقد بعد عنهم، وهو تمثيل حالهم في الاستخلاص بالإيمان بعد ما فات منهم، وبعد عنهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة سهم تناوله من ذراع في الاستحالة، فهو استعارة تمثيلية، أو تشبيه تمثيلي. وما أكثر ما ذكر القرآن عنهم مثل ذلك! كقوله تعالى: {رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنّا مُوقِنُونَ} الآية رقم [١٢] من سورة (السجدة)، وقوله تعالى في سورة (المؤمنون) رقم [١٠٨]. {رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنّا ظالِمُونَ}. وغير ذلك كثير.
فإن قيل: كيف قال في كثير من المواضع: إن الآخرة من الدنيا قريبة، وسمى الساعة قريبة، فقال: {اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ..}. إلخ، وقال: {اِقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ،} وقال: {لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ؟} الجواب: إن الماضي كالأمس الدابر، وهو أبعد ما يكون؛ إذ لا وصول إليه، والمستقبل وإن كان بينه، وبين الحاضر سنون؛ فإنه آت، فيوم القيامة؛ الدنيا بعيدة منه؛ لمضيها، ويوم القيامة في الدنيا قريب؛ لإتيانه. انتهى. جمل نقلا عن كرخي.
الإعراب: {وَقالُوا:} الواو: حرف عطف. (قالوا): ماض وفاعله، والألف للتفريق.
{آمَنّا:} فعل ماض مبني على السكون، و (نا): فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول. {بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {وَأَنّى:} الواو: حرف عطف. (أنى):
اسم استفهام بمعنى: كيف، أو: من أين، فهو مبني على السكون في محل رفع خبر مقدم.
{لَهُمُ:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال منه. {التَّناوُشُ:}
مبتدأ مؤخر. هذا؛ وأجيز تعليق {لَهُمُ} بمحذوف خبر: (أنى) على اعتباره مبتدأ. واعتبار {التَّناوُشُ} فاعلا بالجار والمجرور، قال السمين: وفيه بعد، والجملة الاسمية معطوفة على جملة: {وَقالُوا..}. إلخ المعطوفة بدورها على ما قبلها لا محل لها مثلها. {مِنْ مَكانٍ:} جار ومجرور متعلقان ب: {التَّناوُشُ}. {بَعِيدٍ} صفة: {مَكانٍ}.
{وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣)}
الشرح: {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ} أي: بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، أو بالقرآن، أو بالعذاب. بمعنى: لم يصدقوا، ولم يقروا به. {مِنْ قَبْلُ} أي: من قبل أن يعاينوا العذاب، أو في الدنيا، أو في أوان التكليف، وطلب الإيمان منهم، فكيف يقبل منهم الإيمان في الآخرة؟ {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ}