للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاّ فِي غُرُورٍ (٢٠)}

الشرح: {أَمَّنْ..}. إلخ أي: من هذا الذي يستطيع أن يدفع عنكم عذاب الله من الأنصار، والأعوان؟!، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أي: من ينصركم مني إن أردت عذابكم؟! والخطاب لأهل مكة، ويعم كل مخاطب عاص مخالف لأوامر الله تعالى إلى يوم القيامة. قال تعالى في حق قارون؛ الذي خسف به، وبداره الأرض: {فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ} رقم [٨١] من سورة (القصص). {إِنِ الْكافِرُونَ إِلاّ فِي غُرُورٍ} أي: ما الكافرون في اعتقادهم: أن آلهتهم تنفع، أو تضر إلا في جهل عظيم، وضلال مبين؛ حيث ظنوا الأوهام حقائق، فاعتزوا بالأوثان، والأصنام من دون الله، عز وجل.

هذا؛ وعند التأمل يظهر لك كثرة الالتفات في هذه الآيات، وذلك من الغيبة في الآية السابقة إلى الخطاب في هذه الآية، ثم إلى الغيبة بقوله: {إِنِ الْكافِرُونَ إِلاّ فِي غُرُورٍ} ثم إلى الخطاب بقوله: {يَرْزُقُكُمْ} ثم إلى الغيبة بقوله: {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}. وللالتفات فوائد كثيرة:

منها: تطرية الكلام، وصيانة السمع عند الضجر، والملال؛ لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات، والسآمة من الاستمرار على منوال واحد. هذه فوائد العامة، ويختص كل موضع بنكت، ولطائف باختلاف محله، كما هو مقرر في علم البديع. ووجهه: حث السامع، وبعثه على الاستماع؛ حيث أقبل المتكلم عليه، وأعطاه فضل عنايته، وخصه بالمواجهة.

الإعراب: {أَمَّنْ:} (أم): حرف عطف بمعنى: «بل». (من): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {هذَا:} (الهاء): حرف تنبيه. (ذا): اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع بدل من اسم الإشارة، والجملة الاسمية: {هُوَ جُنْدٌ} صلة الموصول، لا محل لها. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة {جُنْدٌ}. {يَنْصُرُكُمْ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {جُنْدٌ،} والكاف مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع صفة ثانية ل‍: {جُنْدٌ،} أو في محل نصب حال منه بعد وصفه بالجار والمجرور. {مِنْ دُونِ:} متعلقان بما قبلهما. وقيل: متعلقان بمحذوف حال. ولا وجه له.

و {دُونِ:} مضاف، و {الرَّحْمنِ:} مضاف إليه. {إِنِ:} حرف نفي بمعنى: «ما». {الْكافِرُونَ:} مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة... إلخ. {إِلاّ:} حرف حصر. {فِي غُرُورٍ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها وهي معترضة بين المتعاطفين.

{أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١)}

الشرح: {أَمَّنْ هذَا الَّذِي..}. إلخ: المعنى: أم من يشار إليه، ويقال: هذا الذي يرزقكم، إن أمسك الله رزقه بحبس المطر، ومنع منافع الدنيا؟ بل لو كان الرزق موجودا كثيرا سهل التناول،

<<  <  ج: ص:  >  >>