للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إن ابني هذا سيّد، ولعلّ الله تعالى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين». أخرجه البخاري عن أبي بكرة-رضي الله عنه-، فكان كما قال صلّى الله عليه وسلّم أصلح الله تعالى به بين أهل الشام، وأهل العراق، بعد الحروب الطويلة، والواقعات المهولة.

فائدة: خصّ الاثنين بالذكر بقوله: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} دون الجمع؛ لأنّ أقل من يقع منهم الشقاق اثنان، فإذا التزمت المصالحة بين الأقل؛ كانت بين الأكثر ألزم؛ لأنّ الفساد، والشر المترتبين على شقاق الجمع أكثر منهما في شقاق الاثنين.

الإعراب: {إِنَّمَا:} كافة ومكفوفة. {الْمُؤْمِنُونَ:} مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو... إلخ.

{إِخْوَةٌ:} خبره، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محلّ لها. {فَأَصْلِحُوا:} الفاء: حرف عطف على رأي من يجيز عطف الإنشاء على الخبر، وابن هشام يعتبرها للسببية المحضة، وأراها الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان ذلك حاصلا، وواقعا؛ فأصلحوا.

(أصلحوا بين): تقدّم مثلهما، والجملة الفعلية لا محلّ لها على جميع الوجوه المعتبرة في الفاء.

و {بَيْنَ} مضاف، و {أَخَوَيْكُمْ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنى، وحذفت النون للإضافة، والكاف في محل جر بالإضافة، وجملة: {وَاتَّقُوا اللهَ:} معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثلها. {لَعَلَّكُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمها. {تُرْحَمُونَ:}

مضارع مبني للمجهول مرفوع... إلخ، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية خبر: (لعلّ)، والجملة الاسمية تعليلية، لا محلّ لها.

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ (١١)}

الشرح: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا..}. إلخ: نزلت هذه الاية في ثابت بن قيس بن شماس، الذي ذكرته لك في أول هذه السورة، وذلك: أنه كان في أذنيه صمم، فكان إذا أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد سبقوه، أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه، فيسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم، وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر، فلما انتهى النبي صلّى الله عليه وسلّم من الصلاة، أخذ أصحابه مجالسهم حوله؛ ليسمعوا منه، فلما فرغ ثابت-رضي الله عنه-من الصلاة؛ أقبل نحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخطّى رقاب الناس، وهو يقول: تفسّحوا، تفسّحوا. فجعلوا يتفسّحون له حتى انتهى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبينه وبينه رجل، فقال له: تفسح، فقال له الرجل: أصبت مجلسا؛ فاجلس، فجلس ثابت خلفه مغضبا، ثم غمز ثابت الرجل، فقال: من هذا؟ فقال: أنا فلان، قال ثابت: ابن فلانة؟ وذكر أما له كان يعيّر بها في

<<  <  ج: ص:  >  >>