للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَقالَ الْمَلِكُ اِئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤)}

الشرح: {وَقالَ الْمَلِكُ..}. إلخ: وذلك أنه لما تبين للملك عذر يوسف، وعرف أمانته وعلمه؛ طلب حضوره إليه، وأراد أن يكون من خاصته، والاستخلاص طلب خلوص الشيء من جميع شوائب الاشتراك، وإنما أراد ذلك وطلبه؛ لأن عادة الملوك أن ينفردوا بالأشياء النفيسة العزيزة، ولا يشاركهم فيها أحد من الناس، وإذا أراد الله أمرا؛ هيأ له أسبابه، فألهم الملك ذلك ليكون يوسف من خاصته، ومن المقربين عنده. {فَلَمّا كَلَّمَهُ} أي: فلما أتوا وكلمه وشاهد منه الرشد والذكاء. قال: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ} أي: ذو مكانة عالية، ومنزلة رفيعة مؤتمن على كل شيء، فهي كلمة جامعة لكل الفضائل والمناقب في أمر الدين والدنيا.

-روي أن يوسف عليه السّلام لما قام ليخرج من السجن دعا لأهله، فقال: اللهم عطّف عليهم قلوب الأخيار، ولا تعمّ عليهم الأخبار، فلما خرج كتب على باب السجن: هذا بيت البلواء، وقبر الأحياء، وشماتة الأعداء، وتجربة الأصدقاء، ثم اغتسل، وتنظف، ولبس ثيابا جددا، فلما دخل على الملك، قال: اللهم إني أسألك بخيرك من خيره، وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره، ثم سلم عليه بالعربية، فقال الملك: ما هذا اللسان؟ فقال: لسان عمي إسماعيل، ودعا له بالعبرانية، فقال: ما هذا اللسان؟ قال: لسان آبائي، وكان الملك يعرف سبعين لسانا، فكلمه بها، فأجابه بجميعها، فتعجب منه، فقال: أحب أن أسمع رؤياي منك، فحكاها له، ونعت له البقرات والسنابل، وأماكنها على ما رآها، فأجلسه على السرير، وفوض إليه أمره، وقيل: توفي قطفير العزيز في تلك الليالي فنصبه مكانه، وزوّجه زليخا، فوجدها عذراء، وولد له منها ولدان: إفرائيم، وميشا، وبنت واحدة هي: رحمة امرأة أيوب، وإفرائيم ولد له نون، وولد لنون يوشع فتى موسى على نبينا، وعليهم أفضل صلاة، وأزكى تسليم.

-هذا؛ و {اِئْتُونِي} أمر من أتى يأتي، والأمر بهمزتين: همزة الوصل التي يتوصل بها إلى النطق بالساكن، والثانية هي فاء الفعل، ولا يجتمع همزتان في النطق، فإذا ابتدأت الكلام قلت:

ايتوني بإبدال الثانية ياء لكسر ما قبلها، فإذا وصلت الكلام زالت العلة في الجمع بين همزتين، فتحذف همزة الوصل، وتعود الهمزة الأصلية، فتقول: ائتوني.

{لَدَيْنا}: ظرف مكان بمعنى عند، وهي معربة مثلها، وقد تستعملان في الزمان، وإذا أضيف (لدى) إلى مضمر كما هنا، قلبت ألفه ياء عند جميع العرب، إلا بني الحارث بن كعب، وبني خناعة، فلا يقلبونها تسوية بين الظاهر والمضمر، ثم اعلم أن (عند) أمكن من «لدى» من وجهين: أحدهما: أنها تكون ظرفا للأعيان والمعاني، تقول: هذا القول عندي صواب. وعند

<<  <  ج: ص:  >  >>