للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥)}

الشرح: {يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ} أي: أعلم، كما في قوله تعالى: {إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ} من الآية رقم [٢٢٩] من سورة (البقرة). وقيل: هو على ظاهره؛ لأنه يمكن أن يؤمن، فيكون من أهل الجنة، أو يصر على الكفر، فيكون من أهل النار، فحمل الخوف على ظاهره أولى. {أَنْ يَمَسَّكَ:} يصيبك، ويقع عليك. {عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ} أي: إن مت على ما أنت عليه من الكفر، {فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا} أي: قرينا من النار.

قال الخازن رحمه الله تعالى: واعلم: أن إبراهيم-على نبينا وعليه ألف صلاة، وألف سلام-قد رتب الكلام في غاية الحسن، مقرونا بالتلطف والرفق، فإن قوله في مقدمة كلامه:

{يا أَبَتِ} دليل على شدة الحب، والرغبة في صرفه عن العقاب، وإرشاده إلى الصواب؛ لأنه نبه أولا على ما يدل على المنع من عبادة الأصنام، ثم أمره باتباعه في الإيمان، ثم نبه على أنّ طاعة الشيطان غير جائزة في العقول، ثم ختم الكلام بالوعيد الزاجر عن الإقدام على ما لا ينبغي، بقوله: {إِنِّي أَخافُ..}. إلخ ثم قال: وإنما فعل إبراهيم هذا مع أبيه لأمور: أحدها:

لشدة تعلق قلبه بصلاح أبيه، وأداء حق الأبوة، والرفق به، وثانيها: أن النبي الهادي إلى الحق لا بد أن يكون رفيقا لطيفا حتى يقبل منه كلامه، وثالثها: النصح لكل أحد. فالأب أولى. انتهى.

كيف لا؟ وقد روى أبو هريرة-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أوحى الله إلى إبراهيم عليه السّلام: يا خليلي حسّن خلقك، ولو مع الكفّار تدخل مدخل الأبرار، وإنّ كلمتي سبقت لمن حسّن خلقه أن أظلّه تحت عرشي، وأن أسقيه من حظيره قدسي وأن أدنيه من جواري». رواه الطبراني.

الإعراب: {يا أَبَتِ:} انظر الآية رقم [٤١]. {إِنِّي:} حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم اسمها. {أَخافُ:} مضارع، والفاعل مستتر تقديره: «أنا»، والمصدر المؤول من: {أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ} في محل نصب مفعول به. {مِنَ الرَّحْمنِ:} متعلقان ب‍: {عَذابٌ} أو بمحذوف صفة له، وجملة: {أَخافُ..}. إلخ في محل رفع خبر (إنّ). {فَتَكُونَ:} مضارع ناقص معطوف بالفاء على {يَمَسَّكَ} فهو منصوب مثله، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: «أنت». {لِلشَّيْطانِ:}

متعلقان ب‍: {وَلِيًّا} بعدهما، أو بمحذوف حال منه على مثال ما رأيت في الآية رقم [٤].

{وَلِيًّا:} خبر (تكون). تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، والآية بكاملها من مقول إبراهيم على نبينا وعليه ألف صلاة، وألف سلام.

{قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاُهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦)}

الشرح: {قالَ} أي: أبوه. {أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ} أي: تاركها، وتارك عبادتها.

هذا؛ وقال البيضاوي-رحمه الله تعالى-قابل استعطافه، ولطفه في الإرشاد بالفظاظة، وغلظة

<<  <  ج: ص:  >  >>