للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩)}

الشرح: {بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ:} عبارة البيضاوي: هؤلاء المعاصرين للرسول صلّى الله عليه وسلّم من قريش، وآباءهم بالمد في العمر، والنعمة، فاغتروا بذلك، وانهمكوا في الشهوات. انتهى. وقال الإمام الفخر: وجه نظم الآية: أنهم لما عولوا على تقليد الآباء، ولم يتفكروا في الحجة؛ اغتروا بطول الإمهال، وإمتاع الله إياهم بنعيم الدنيا، فأعرضوا عن الحق. انتهى. صفوة التفاسير.

{حَتّى جاءَهُمُ الْحَقُّ} أي: القرآن، أو الإسلام. و {وَرَسُولٌ:} هو محمد صلّى الله عليه وسلّم. {مُبِينٌ} أي:

يبين لهم الأحكام. وقيل: بين الرسالة، وأوضحها بما معه من الآيات، والمعجزات، وكان من حق الإنعام أن يطيعوه، فلم يفعلوا بل كذّبوا، وعصوا، وسمّوه ساحرا. وفي هذه الغاية خفاء بيّنه صاحب الكشاف بقوله: وهو أنّ ما ذكر ليس غاية للتمتيع؛ إذ لا مناسبة بينهما، مع أنّ مخالفة ما بعدها لما قبلها غير مرعي فيها. والجواب: أنّ المراد بالتمتيع ما هو سببه من اشتغالهم به عن شكر المنعم، فكأنه قال: اشتغلوا به؛ حتى جاءهم الحق، وهو غاية له في نفس الأمر؛ لأنّه مما ينبههم ويزجرهم لكنهم لطغيانهم عكسوا، فهو كقوله تعالى في سورة (البينة):

{وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}. انتهى. جمل.

هذا؛ والتمتع: التلذذ بالشيء، والانتفاع به، ومثله: الاستمتاع، وأمتعه الله، ومتّعه بمعنى:

واحد، والمتعة: الانتفاع، والتلذذ بالشيء. فهنيئا لمن تمتع واستمتع بالمباح الحلال، وويل، ثم ويل لمن تمتع، واستمتع بالحرام. هذا؛ والمتعة بكسر الميم وضمها: اسم للتمتيع، والزاد القليل، وما يتمتع به من الصيد، والطعام، ومتعة المرأة: ما وصلت به بعد الطلاق من نحو إزار، وقميص، وملحفة. قال تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}. هذا؛ وأمره سبحانه وتعالى للكفار في كثير من الآيات بأن يتمتعوا بدنياهم قليلا، أو بعبادتهم الأوثان، أو باتباعهم الأهواء، فإنها من قبيل الشهوات التي يتمتع بها، وفي التهديد لهم بصيغة الأمر إيذان بأن المهدّد عليه كالمطلوب لإفضائه إلى المهدّد به.

الإعراب: {بَلْ:} حرف إضراب عن الكلام السابق. {مَتَّعْتُ:} فعل، وفاعل. {هؤُلاءِ:}

الهاء: حرف تنبيه. (أولاء): اسم إشارة مبني على الكسر في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محلّ لها. {وَآباءَهُمْ:} معطوف على ما قبله منصوب مثله، والهاء في محل جر بالإضافة. {حَتّى:} حرف غاية، وجر، وبعدها «أن» مضمرة. {جاءَهُمُ:} فعل ماض، والهاء مفعول به. {الْحَقُّ:} فاعله، و «أن» المضمرة والفعل (جاء) في تأويل مصدر في محل جر ب‍: {حَتّى،} والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {وَرَسُولٌ:} معطوف على ما قبله.

{مُبِينٌ:} صفة له.

<<  <  ج: ص:  >  >>