للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى في سورة (الروم) رقم [٦٠]: {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ}. {إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ:} كافرين، خارجين عن طاعة الله.

هذا؛ وأصل الفسق: الخروج عن القصد، والفاسق في الشرع: الخارج عن أمر الله بارتكاب المعاصي، وله ثلاث درجات: الأولى: التغابي، وهو أن يرتكب الكبيرة أحيانا مستقبحا إياها. والثانية: الانهماك، وهو أن يعتاد ارتكابها غير مبال بها. والثالثة: الجحود، وهو أن يرتكبها مستصوبا إياها. فإذا شارف هذا المقام، وتخطى خططه خلع ربقة الإيمان من عنقه، ولا بس الكفر، وما دام في درجة التغابي، أو الانهماك، فلا يسلب عنه اسم المؤمن؛ لاتصافه بالتصديق، الذي هو مسمى الإيمان.

هذا؛ وقال الزمخشري: الفسوق: الخروج من الشيء، والانسلاخ منه. يقال: فسقت الرطبة عن قشرها. ومن مقلوبه: فقست البيضة إذا كسرتها، وأخرجت ما فيها. ومن مقلوبه أيضا: فقست الشيء: إذا أخرجته عن يد مالكه مغتصبا له عليه، ثم استعمل في الخروج عن القصد، والانسلاخ من الحق. قال رؤبة: [الرجز]

فواسقا عن قصدها جوائرا

الإعراب: {فَاسْتَخَفَّ:} الفاء: حرف استئناف. (استخف)؛ فعل ماض، والفاعل يعود إلى:

{فِرْعَوْنُ،} تقديره: «هو». {قَوْمَهُ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محلّ لها. {فَأَطاعُوهُ} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثلها. {إِنَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {كانُوا:} فعل ماض ناقص، والواو اسمه، والألف للتفريق. {قَوْماً:} خبر (كان). {فاسِقِينَ:} صفة: {قَوْماً،} وجملة: {كانُوا..}. إلخ في محل رفع خبر: {إِنَّهُمْ،} والجملة الاسمية لا محلّ لها؛ لأنّها تعليلية.

{فَلَمّا آسَفُونا اِنْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥)}

الشرح: {فَلَمّا آسَفُونا:} أسخطونا، وأغضبونا بالإفراط في العناد، والعصيان، منقول من: أسف: إذا اشتد. والمراد: بغضب الله، وأسفه: إرادة الانتقام، وهو قوله: {اِنْتَقَمْنا مِنْهُمْ}. وقال عمر بن ذر: يا أهل المعاصي لا تغتروا بطول حلم الله عنكم، واحذروا أسفه، فإنه قال: {فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ}. {فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ:} وكان ذلك في البحر الأحمر حين لحقوا ببني إسرائيل، كما رأيت في سورة (الشعراء).

قال المفسرون: اغترّ فرعون بالعظمة، والسلطان، والأنهار التي تجري من تحته، فأهلكه الله بجنس ما تكبر به هو، وقومه، وذلك بالغرق بماء البحر. وفيه إشارة إلى أنّ من تعزز بشيء

<<  <  ج: ص:  >  >>