للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ناصِرِينَ:} مبتدأ مؤخر، مجرور لفظا، مرفوع محلا، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب حال مثلها.

{ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اِتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥)}

الشرح: {ذلِكُمْ} أي: العذاب، أو الجزاء الذي لقيتموه. {بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ..}. إلخ: بسبب أنكم اتخذتم آيات الله هزوا، وسخرية، ولعبا. {وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا:} بزينتها، وزخرفها، وغرتكم أموالكم، وجاهكم، ومناصبكم في هذه الدنيا. {فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها} أي: من جهنم، فالفعل يقرأ بالبناء للمجهول من الرباعي المتعدي، ويقرأ بالبناء للمعلوم من الثلاثي اللازم. قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: فالبناء للمعلوم لقوله تعالى في سورة (السجدة) رقم [٢٠]: {كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها،} والبناء للمجهول لقوله تعالى في سورة (المؤمنون) رقم [١٠٧]:

{رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنّا ظالِمُونَ}. {وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي: لا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم؛ أي: يرضوه بالعتبى لفوات أوانه، وقد دعوا إليه في الدنيا؛ حيث ندبهم الله في كثير من الآيات إلى التوبة، والطاعة، وحثّهم في كثير من الآيات على الإنابة، والاستغفار، والإيمان به.

من قولهم: استعتبني فلان، فأعتبته؛ أي: استرضاني، فأرضيته. وجملة القول: لا يقال لهم يوم القيامة: ارضوا ربكم بتوبة، وطاعة. ومثله في سورة (فصلت) رقم [٢٤]: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ،} وقوله تعالى في سورة (النحل) رقم [٨٤]: {ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ،} وقوله جلّ ثناؤه في سورة (الروم) رقم [٥٧]: {فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}.

هذا؛ والاستعتاب: طلب العتاب. والمعتبة: هي الغلظة، والموجدة التي يجدها الإنسان في نفسه على غيره، والرجل إنما يطلب العتاب من خصمه ليزيل ما في نفسه عليه من الموجدة، والغضب، ويرجع إلى الرضا عنه، وإذا لم يطلب من خصمه العتاب؛ دلّ ذلك على أنه ثابت على غضبه عليه، قال النابغة الذبياني يعتذر إلى النعمان بن المنذر مما وشي إليه عنه: [الطويل]

فإن كنت مظلوما فعبدا ظلمته... وإن كنت ذا عتبى فمثلك يعتب

هذا؛ وقال جلّ شأنه في سورة (المرسلات): {هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} وفي «المصباح المنير»: عتب عليه عتبا من باب: ضرب، وقتل، ومعتبا أيضا: لامه في سخط، فهو عاتب، وعتّاب مبالغة، وبه سمّي، ومنه: عتاب بن أسيد الصحابي-رضي الله عنه-. وعاتبه معاتبة، وعتابا. قال الخليل-رحمه الله تعالى-: حقيقة العتاب مخاطبة الإدلال، ومذاكرة

<<  <  ج: ص:  >  >>