الشرح:{إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا:} رجعوا عن النفاق. {وَأَصْلَحُوا:} أي: سرائرهم، وأحوالهم بأن طهّروها من النّفاق. {وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ:} وثقوا به، وتمسّكوا بدينه. وانظر الآية رقم [١٠٣] من سورة (آل عمران) فإنّه جيد، والحمد لله! {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ} أي: لا يريدون بعملهم غير وجه الله تعالى. {فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} أي: إن فعلوا ما تقدّم؛ فيكونون مع المؤمنين في الدّارين، ورفاقهم في أعلى عليّين. {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً} أي: ثوابا في الآخرة كثيرا، لا يعلم قدره إلا الله تعالى.
تنبيه: المنافق أخطر على الإسلام، والمسلمين من الكافر، ولهذا كان عذابه أشدّ من عذاب الكافر، كما رأيت في الآية السابقة، وقد شرط تعالى للتّوبة على الكافر الانتهاء عن الكفر فقط، قال تعالى في سورة الأنفال رقم [٣٨]: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ،} وأمّا المنافق؛ فقد شرط الله عليه للتوبة أربعا: التوبة من النفاق، وإصلاح العمل، والاعتصام بالله، وإخلاص الدّين له.
هذا؛ و:(الإخلاص) رأس العبادات في التّوحيد، واتّباع الأوامر، واجتناب النّواهي، كيف لا وقد قال الله تبارك وتعالى في سورة (الزمر) رقم [٣]: {أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ} أي: من الشرك، والرياء، والنّفاق. وقال جلّ ذكره في سورة (غافر) رقم [١٤]: {فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ،} وقال تعالت كلمته في سورة (البينة): {وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}. وخذ من قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ما يلي:
فعن أنس-رضي الله عنه-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«من فارق الدّنيا على الإخلاص لله وحده، لا شريك له، وأقام الصّلاة، وآتى الزّكاة؛ فارقها والله عنه راض». رواه ابن ماجة، والحاكم.
وعن ثوبان-رضي الله عنه-عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى، تنجلي عنهم كلّ فتنة ظلماء». رواه البيهقيّ، وعن ابن عبّاس-رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أخلص لله أربعين يوما؛ ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه». رواه ابن حبان. وحذّر الرسول صلّى الله عليه وسلّم من الرّياء، وبالإضافة لما ذكرته في الآية رقم [١٤٢] فخذ هنا ما يلي: