للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضله، وإنعامه، كما توجل بذكر عدله وانتقامه وقضائه، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-هذا في الحلف، وذلك أن المسلم إذا حلف بالله على شيء؛ سكنت قلوب المؤمنين إليه. {أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}: تسكن قلوب المؤمنين، ويستقر اليقين فيها، بسبب ذكر الله تعالى.

هذا؛ وقد ذكر الله في سورة (الأنفال) في الآية رقم [٢] أن قلوب المؤمنين توجل من ذكر الله تعالى، وذكر هنا أن قلوبهم تطمئن وتسكن لذكره تعالى!؟ والجواب: أن الوجل إنما يكون عند ذكر الوعيد والعقاب، والطمأنينة، إنما تكون عند الوعد والثواب، وهذا مقام الخوف والرجاء، وقد جمعا في آية الزمر: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ} والمعنى: تقشعر جلودهم من ذكر عقاب الله ووعيده، ثم تلين وتطمئن جلودهم وقلوبهم عند ذكر الله ورجاء ثوابه، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {الَّذِينَ}: بدل من {مَنْ أَنابَ} أو عطف بيان عليه، أو هو منصوب بفعل محذوف، التقدير: أمدح ونحوه، وأجيز اعتباره مبتدأ خبره الموصول في الآية التالية، كما أجيز اعتباره خبر مبتدأ محذوف، وهذان الوجهان ضعيفان جدا، وجملة: {آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول لا محل لها، وجملة: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ} معطوفة عليها، لا محل لها، واعتبارها حالا لا يجوز إلا على تقدير مبتدأ قبلها، أي: وهم تطمئن قلوبهم، والضعف يظهر على الاعتبارين، وأرى، بل وأعتمد وأرجح أن الواو صلة، وعليه فالجملة تحتمل وجهين في محل رفع خبر الذين على اعتباره مبتدأ، وفي محل نصب حال على اعتباره بدلا مما قبله، أو على اعتباره مفعولا به لفعل محذوف، وزيادة الواو قيل بها في قوله تعالى: {فَلَمّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} وخذ قول ابن الذئبة ربيعة بن عبد ياليل: [الطويل]

فما بال من أسعى لأجبر عظمه... حفاظا، وينوي من سفاهته كسري؟

إذا الأصل (ينوي) وفي الآيات الكريمة جملة: (ناديناه) جواب لما كما هو ظاهر. هذا؛ ومثلها الآية رقم [٢٥] من سورة (الحج)، والجملة: {الَّذِينَ..}. إلخ مستأنفة على اعتبار الموصول مبتدأ، {أَلا}: حرف تنبيه واستفتاح يسترعي انتباه المخاطب لما يأتي بعده من كلام.

{بِذِكْرِ}: متعلقان بالفعل بعدهما، وجوز أبو البقاء اعتبارهما مفعولا به للفعل بعدهما، كما جوز تعليقهما بمحذوف حال من القلوب، وكلاهما ضعيفان. {تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}: مضارع وفاعله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها.

{الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩)}

الشرح: {الَّذِينَ آمَنُوا} أي: بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى، والإيمان الصحيح هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان،

<<  <  ج: ص:  >  >>