هذا؛ وقرئ بجر: (السلاسل). وهي قراءة شاذة، ووجهه: أنه محمول على المعنى؛ لأن المعنى: أعناقهم في الأغلال، والسلاسل، فيكون في الكلام قلب؛ لأن الأعناق هي التي توضع في الأغلال. ومثله: قولهم: عرضت الناقة على الحوض. وانظر رقم [٣٤] من سورة (الأحقاف) للكلام على القلب. وقال الزجاج: المعنى: وفي السلاسل يسحبون، وهذا يعني: أنه معطوف على الحميم. قال ابن الأنباري: والخفض على هذا المعنى غير جائز. قال مكي: وهو لا يجوز؛ لأن المعطوف المخفوض لا يتقدم على المعطوف عليه، لا يجوز: مررت؛ وزيد بعمرو، ويجوز في المرفوع، تقول: قام وزيد عمرو، ويبعد في المنصوب، لا يحسن: رأيت وزيدا عمرا، أقول: خذ قول حسان بن ثابت-رضي الله عنه-في هجاء هند وزوجها أبي سفيان، وهو يؤيد العطف في المنصوب: [الكامل]
لعن الإله وزوجها معها... هند الهنود طويلة البظر
{فِي الْحَمِيمِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {ثُمَّ:} حرف عطف. {فِي النّارِ:} متعلقان بما بعدهما، والجملة الفعلية: «يسجرون في النار» معطوفة على ما قبلها على جميع الاعتبارات فيها.
{ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ (٧٤)}
الشرح: {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ} أي: يقال لهم، ويقولون: ضلوا، والتعبير بالماضي عن المستقبل إنما هو لتحقق الوقوع، وقد ذكرته لك مرارا. وانظر إعلال {قِيلَ} في الآية رقم [٤٥] من سورة (يس). {أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللهِ}. وهذا تقريع، وتوبيخ، والمراد: أين الأصنام، والمعبودات الباطلة التي كنتم تعبدونها من دون الله؟! {قالُوا ضَلُّوا عَنّا} أي: غابوا عنا فلم نرهم، وانظر شرح: (ضل) في الآية رقم [٧١] من سورة (الصافات). {بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً} أي: بل تبين لنا: أنا لم نكن نعبد شيئا بعبادتهم، فإنهم ليسوا شيئا يعتد به، كقولك:
حسبته شيئا فلم يكن، وليس هذا إنكارا لعبادة الأصنام، بل هو اعتراف بأنّ عبادتهم الأصنام كانت باطلة، فلم تغن عنهم شيئا. وقال بعض المفسرين: جحدوا عبادة الأصنام، وإنما فعلوا ذلك لحيرتهم واضطرابهم، وخذ قوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [٢٣]: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ}. {كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ:} حتى لا يهتدوا إلى شيء ينفعهم في الآخرة، أو يضلهم عن آلهتهم؛ حتى لو تطالبوا؛ لم يتصادفوا، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {ثُمَّ:} حرف عطف. {قِيلَ:} فعل ماض مبني للمجهول. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {أَيْنَ:} اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب على