ومعنى {بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي: قتلا لم يكن قصاصا بقتل نفس مثلها، ولقد اختلف أيهما أبلغ {إِمْراً} أم {نُكْراً} فقالت فرقة من الناس: هذا قتل بين، وهناك؛ أي: إغراق من في السفينة مترقب ف: {نُكْراً} أبلغ. وقالت فرقة: هذا قتل واحد، وذاك قتل جماعة ف:{إِمْراً} أبلغ.
وقال ابن عطية:{إِمْراً} أفظع وأهول من حيث هو متوقع عظيم، و {نُكْراً} بين في الفساد؛ لأن مكروهه قد وقع، وهذا بين فكانا لمعنيين مختلفين. بقي أن تعرف الفرق بين دخول الفاء بقوله:
{فَقَتَلَهُ} وعدم دخولها بقوله: {خَرَقَها} قال السمين: جعل خرقها جزاء للشرط، وجعل قتل الغلام من جملة الشرط معطوفا عليه، فإن قلت: لم خولف بينهما؟ قلت: لأن الخرق لم يعقب الركوب، وقد عقب القتل لقاء الغلام. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-أن نجدة الحروري كتب إليه، كيف جاز للخضر أن يقتل الغلام، وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قتل الولدان؟ فكتب إليه: إن علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل. انتهى نسفي.
بعد هذا انظر (لقي) في الآية رقم [٦٢] وشرح (غلام) في الآية رقم [٥٣] من سورة (الحجر)، وشرح {شَيْءٍ} في الآية رقم [٣٥] من سورة (النحل)، وشرح {النَّفْسَ} في الآية رقم [٥٣] من سورة (يوسف) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. وانظر شرح «غير» في الآية رقم [٢] من سورة (الرعد).
الإعراب:{فَانْطَلَقا حَتّى إِذا لَقِيا غُلاماً:} انظر الآية رقم [٧٢]. {فَقَتَلَهُ:} ماض، وفاعله يعود إلى الخضر، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{لَقِيا غُلاماً} فهي في محل جر مثلها. {قالَ:} ماض، والفاعل يعود إلى {مُوسى}. {أَقَتَلْتَ:} الهمزة: حرف استفهام إنكاري. (قتلت): فعل، وفاعل. {نَفْساً:} مفعول به. {زَكِيَّةً:} صفة {نَفْساً،} ويقرأ:
«(زاكية)». {بِغَيْرِ:} متعلقان بالفعل (قتلت)، أو هما متعلقان بمحذوف صفة لمصدر محذوف، التقدير: قتلا كائنا بغير نفس. وقيل: متعلقان بمحذوف على أنه حال من الفاعل، أو من المفعول؛ أي: قتلته ظالما، أو مظلوما، كذا قدره أبو البقاء، واستبعده السمين. انتهى جمل.
و (غير): مضاف، و {نَفْسٍ} مضاف إليه، وجملة:{أَقَتَلْتَ..}. إلخ في محل نصب مقول القول وجملة:{قالَ..}. إلخ جواب {إِذا،} لا محل لها {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} انظر الآية رقم [٧١] ففيها الكفاية، والجملة القسمية في محل نصب مقول القول.
شرح هذه الآية وإعرابها مثل الآية رقم [٧٢] وزيد فيها هنا {لَكَ} توكيدا للتوبيخ؛ لأنه اعترض مرتين، وفي البيضاوي: زاد فيه {لَكَ} مكافحة بالعتاب على رفض الوصية، ووسما بقلة الثبات، والصبر لمّا تكرر منه الاشمئزاز، والاستنكار، ولم يرعو بالتذكير أول مرة، حتى زاد في الاستنكار ثاني مرة. انتهى.