للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتوسّع فيها ما لا يتوسع في غيرها. {حُجَّةٌ:} اسم: {يَكُونَ} مؤخر. {بَعْدَ:} ظرف زمان متعلق ب‍: {حُجَّةٌ} أو بمحذوف صفة له، و {بَعْدَ} مضاف، و {الرُّسُلِ:} مضاف إليه، وهناك محذوف؛ إذ التقدير: بعد إرسال الرّسل، فلما حذف المضاف حلّ المضاف إليه محلّه، و (أن) والفعل: ({يَكُونَ}) في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان ب‍: {مُبَشِّرِينَ} أو ب‍: ({مُنْذِرِينَ}) على اختلاف بين البصريين والكوفيين، وهو على التنازع. وقيل: متعلقان بفعل محذوف، التقدير: أرسلناهم لعدم كون حجّة للناس باقية على الله، وتكون الجملة الفعلية في محل نصب حال من: {رُسُلاً} بعد وصفه بما تقدّم، أو هي صفة ثانية له. {وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً:} إعراب هذه الجملة واضح، وهي مستأنفة لا محلّ لها. تأمّل وتدبّر، ربّك أعلم وأجلّ، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمّد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.

{لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (١٦٦)}

الشرح: قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جماعة من اليهود، فقال لهم: «إنّي والله أعلم أنّكم لتعلمنّ أنّي رسول الله» فقالوا: لا نعلم ذلك، فأنزل الله هذه الآية.

وفي رواية ثانية عن ابن عباس: أنّ رؤساء مكة أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا محمد! إنا سألنا اليهود عنك، وعن صفتك في كتابهم، فزعموا: أنّهم لا يعرفونك، فأنزل الله الآية الكريمة:

{لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ..}. إلخ؛ المعنى: إن جحدك اليهود يا محمد، وكفروا بما أوحينا إليك، وقالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء؛ فقد كذبوا بما ادّعوا، فإنّ الله يشهد لك بالنبوّة، ويشهد بما أنزل إليك من كتابه، ووحيه.

{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} أي: الخاص به؛ الّذي لا يعلمه غيره، وهو تأليفه على نظم يعجز عنه كلّ بليغ، وأنزله بعلم تامّ، وحكمة بالغة. أو: أنزله بعلمه بحال من أنزل عليه، واستعداده لاقتباس نوره، والأخذ بهديه.

{وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} بأنّ الله أنزله عليك، ويشهدون بتصديقك، وبنبوّتك، ورسالتك، وإنّما عرفت شهادة الملائكة؛ لأنّ الله تعالى إذا شهد بشيء شهدت الملائكة بذلك الشّيء، قال تعالى في سورة (آل عمران): {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ}. وقد ثبت: أنّ الله يشهد بأنّه أنزله بعلمه، فلذلك الملائكة يشهدون بذلك. {وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً} أي:

وحسبك يا محمد: أنّ الله يشهد لك، وإن لم يشهد معه أحد غيره. ففيه تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم عن شهادة أهل الكتاب له، والله أعلم بمراده.

<<  <  ج: ص:  >  >>