للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥)}

الشرح: {إِنَّ الْأَبْرارَ} أي: أهل الصدق، واحدهم: برّ، وهو من امتثل أمر الله تعالى.

وقيل: واحدهم بار، مثل: شاهد، وأشهاد، وفي الصحاح: وجمع البر: الأبرار، وجمع البار:

البررة. وفلان يبر خالقه، ويتبرره، أي: يطيعه. وروي عن ابن عمر-رضي الله عنهما-وفي الجمل: عن عمر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنما سمّاهم الله جلّ ثناؤه الأبرار؛ لأنهم برّوا الآباء، والأبناء، كما أن لوالدك عليك حقا، كذلك لولدك عليك حقّ». وقال الحسن: البر الذي لا يؤذي الذر، وانظر سورة (عبس) [١٦].

{يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ:} الكأس عند أهل اللغة شامل لكل إناء مع شرابه، فإن كان فارغا فليس بكأس. قال الضحاك، والسدي: كل كأس في القرآن فهي الخمر، والعرب تقول للإناء إذا كان فيه خمر: كأس، فإذا لم يكن فيه خمر قالوا: إناء، وقدح، كما يقال للخوان إذا كان عليه طعام: مائدة، فإذا لم يكن عليه طعام، لم يقل له: مائدة. قال أبو الحسن بن كيسان: ومنه:

ظعينة للهودج إذا كان فيه المرأة. وأضيف: أنه لا يقال: ذنوب، وسجل إلا وفيه ماء، وإلا؛ فهو دلو. ولا يقال: جراب إلا وهو مدبوغ، وإلا؛ فهو إهاب. ولا يقال: قلم إلا وهو مبرى، وإلا؛ فهو أنبوب. ولا يقال للمكان: ناد إلا إذا كان فيه أهله. هذا؛ والكأس تذكر، وتؤنث؛ لأنها من المؤنث المجازي، فمن التأنيث الآية التي نحن بصدد شرحها، وقوله تعالى في سورة (الصافات) رقم [٤٦]: {يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ} ومن التذكير قولك:

هذا كأس. هذا؛ والجمع: كؤوس، وأكؤس، وكأسات، وكئاس. {كانَ مِزاجُها} أي: شوبها، وخلطها. قال حسان بن ثابت-رضي الله عنه-: [الوافر]

كأنّ سبيئة من بيت رأس... يكون مزاجها عسل وماء

وهذا هو الشاهد رقم [٨٢٣] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، ومنه مزاج البدن، وهو ما يمازجه من الصفراء، والسوداء، والحرارة، والبرودة. {كافُوراً:} قال المفسرون: الكافور:

طيب معروف يستحضر من أشجار ببلاد الهند، والصين، وهو من أنفس أنواع الطيب عند العرب، والمراد: أن من شرب تلك الكأس وجدها في طيب رائحتها، وفوحان شذاها كالكافور. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: الكافور: اسم عين ماء في الجنة، يقال لها: عين الكافور، تمتزج الكأس بماء هذه العين، وتختم بالمسك، فتكون ألذ شراب. وقيل: أراد كالكافور في بياضه، وطيب رائحته، وبرده؛ لأن الكافور لا يشرب. وقال مقاتل: ليس بكافور الدنيا، ولكن سمى الله ما عنده بما عندكم حتى تهتدي لها القلوب. هذا؛ ولم يذكر (الكافور) في غير هذه السورة. هذا؛ ولما ذكر الله ما أعده للأشقياء من السعير؛ ذكر الأبرار المتقين، وما

<<  <  ج: ص:  >  >>