للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨)}

الشرح: {إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنّا} أي: قال أولاد يعقوب: إن أبانا يحب يوسف وأخاه بنيامين شقيقه أكثر منا، وقد قالوا هذه المقالة حسدا منهم ليوسف، وأخيه حينما رأوا ميلا من أبيهم إليهما وكثرة شفقته عليهما وكان قد بلغهم خبر الرؤيا التي رآها يوسف في منامه {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي: جماعة، وكانوا عشرة كما رأيت، والعصبة ما بين العشرة إلى الأربعين، ومثلها العصابة، ولا واحد لها من لفظها كالنفر، والرهط، والمعشر... إلخ. {إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي: لفي خطأ بين بإيثاره يوسف وأخاه؛ لأنهما صغيران لا ينفعانه بشيء، وإنما نحن نقوم بالعمل له، ونقدم له كل ما يحتاجه من معاشه وخدمته، وتقديم جميع مطالبه.

تنبيه: لم يريدوا ضلال الدين؛ إذ لو أرادوه؛ لكانوا كفارا، بل أرادوا الخطأ في تدبير أمورهم حيث آثر حب صغيرين على عشرة أقوياء أشداء ومثله قولهم في الآية [٩٥]، هذا؛ وأخبر ب‍ {أَحَبُّ} عن المثنى؛ لأنه أفعل تفضيل، فلم يثنه؛ لأنه يجب إفراده، وتذكيره، وتنكيره عند مقارنته بالمفضل عليه مجرورا ب‍ «من»، وهو هنا كذلك، وهو مصوغ هنا من (حبّ) المبني للمفعول وهو شاذ قياسا، فصيح استعمالا لوروده في أفصح الفصيح، وإذا بنيت أفعل التفضيل من مادة الحب، والبغض، تعدى إلى الفاعل المعنوي ب‍ «إلى»، وإلى المفعول المعنوي باللام، أو ب‍ «في»، فإذا قلت: زيد أحب إلي من بكر، كان معناه: أنك تحب زيدا أكثر من بكر، فالمتكلم هو الفاعل، وكذلك إذا قلت: هو أبغض إلي منه؛ كان معناه أنت المبغض، وإذا قلت:

زيد أحب لي من عمرو، أو أحب فيّ منه، كان معناه أن زيدا يحبني أكثر من عمرو، وعلى هذا جاءت الآية الكريمة، فإن الأب هو فاعل المحبة، ولا تنس أن أصله: (أحبب) فنقلت فتحة الباء الأولى إلى الحاء، فسكنت، ثم أدغمت الباء في الباء.

الإعراب: {إِذْ}: ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بفعل محذوف، تقديره: اذكر، أو هو مفعول به لهذا المقدر. {قالُوا}: فعل وفاعل، والألف للتفريق.

{لَيُوسُفُ}: اللام: هي لام الابتداء، وقيل: واقعة في جواب قسم محذوف، التقدير: والله.

(يوسف): مبتدأ. (أخوه): معطوف عليه مرفوع مثله، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، والهاء في محل جر بالإضافة. {أَحَبُّ}: خبر المبتدأ، وفاعله مستتر فيه وجوبا تقديره: «هو». {إِلى أَبِينا}: متعلقان ب‍ {أَحَبُّ،} وعلامة الجر الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و (نا): في محل جر بالإضافة. {مِنّا}: متعلقان ب‍ {أَحَبُّ..}. أيضا، والجملة الاسمية جواب القسم المقدر، والقسم وجوابه في محل نصب مقول القول، وجملة: {قالُوا..}.

<<  <  ج: ص:  >  >>