للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عامر بن الطفيل: [الوافر]

شحنّا أرضهم بالخيل حتّى... تركناهم أذلّ من الصّراط

ثمّ إنّ العرب تستعير «الصّراط» في كلّ قول، وعمل، وصف باستقامة، أو اعوجاج.

والمراد به هنا: التوفيق لامتثال أوامر الله فيما أمر، وفيما نهى، والأخذ بتعاليم الرسول صلّى الله عليه وسلّم في قوله، وفعله. و (مستقيم) لا اعوجاج فيه، وأصله: (مستقوم) لأنّه من: استقام، وهو أجوف واوي، فقل في إعلاله: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن، وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فنقلت حركة الواو إلى القاف قبلها بعد سلب سكونها، فصار: «مستقوم» ثم قلبت الواو ياء لمناسبة الكسرة، فصار: مستقيم.

الإعراب: {وَلَهَدَيْناهُمْ:} الواو: حرف عطف. ({لَهَدَيْناهُمْ}): فعل، وفاعل، ومفعول به أول.

{صِراطاً:} مفعول به ثان. {مُسْتَقِيماً:} صفة له، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محلّ لها مثلها.

{وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩)}

الشرح: لمّا ذكر الله تعالى الأمر الذي لو فعله المنافقون حين وعظوا به، وأنابوا إليه؛ لأنعم عليهم؛ ذكر بعد ذلك ثواب من يفعله. وهذه الآية تفسير قوله تعالى في سورة (الفاتحة):

{اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ،} وهي المراد في قوله صلّى الله عليه وسلّم عند موته: «اللهمّ الرّفيق الأعلى». وفي البخاريّ عن عائشة-رضي الله عنها-قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من نبيّ يمرض إلاّ خيّر بين الدّنيا والآخرة». وكان في شكواه الذي مرض فيه أخذته بحة شديدة، فسمعته يقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ} فعلمت: أنّه خيّر.

{وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ} أي: فيما أمرا، وفيما نهيا عنه. {فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ} أي: هم معهم في دار واحدة يستمتعون برؤيتهم، والحضور معهم، لا أنّهم يساوونهم في الدّرجة، فإنّهم يتفاوتون. لكنّهم يتزاورون للاتباع، والاقتداء وكلّ من فيها قد رزق الرّضا بحاله، وقد ذهب عنه اعتقاد: أنّه مفضول، قال تعالى: {وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}. والصّدّيق فعّيل:

المبالغ في الصّدق، والصّدّيق هو الذي يحقّق بفعله ما يقوله بلسانه. وقيل: هم فضلاء أتباع الأنبياء كأبي بكر الصدّيق-رضي الله عنه-، وبقيّة العشرة المبشّرين بالجنّة. {وَالشُّهَداءِ:} الذين قتلوا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله. {وَالصّالِحِينَ:} جمع: صالح، وهو الذي استوت سريرته، وعلانيته في الخير. وقيل: الصّالح من اعتقاده صواب، وعمله في سنة، وطاعة. والصّلاح:

<<  <  ج: ص:  >  >>