درجة عالية، ومكانة رفيعة، ولذلك سألها يوسف الصدّيق في الآية رقم [١٠١] من السورة المسمّاة باسمه، وسألها إبراهيم الخليل في الآية رقم [٨٣] من سورة (الشعراء) وسألها سليمان في الآية رقم [١٩] من سورة (النمل) وقال تعالى في حق إسماعيل، وإدريس، وذي الكفل-على نبينا، وعليهم جميعا ألف صلاة وألف سلام-: {وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصّالِحِينَ} الآية [٨٦] من سورة (الأنبياء)، وقال عن إبراهيم في سورة (البقرة) رقم [١٣٠]: {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ}.
{وَحَسُنَ أُولئِكَ:} الإشارة إلى المذكورين، والفعل: ({حَسُنَ}) محوّل إلى باب فعل، بفتح، وضم، وهذا الباب مستعمل للمدح، كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [٣٢]: {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً} ويستعمل في الذم كما في قوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [٢٩]:
{وَساءَتْ مُرْتَفَقاً} فكل فعل ثلاثي إذا حول إلى باب فعل، يحتمل ذلك مع تضمنه التعجب، وورد في الشعر العربي بضم الحاء وسكون السين، ومنه قول الحطيئة: [البسيط]
طافت أمامة في الرّكبان آونة... يا حسنه من قوام ما ومنتقبا
وقول سعد الغنوي-وهو الشاهد رقم [٦٠] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [البسيط]
لا يمنع النّاس منّي ما أردت ولا... أعطيهمو ما أرادوا حسن ذا أدبا
تنبيه: كان ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شديد الحبّ له، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم، وقد تغيّر لونه، يعرف الحزن في وجهه، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما غيّر لونك يا ثوبان؟!» قال:
يا رسول الله! ما بي مرض، ولا وجع غير أنّي إذا لم أرك؛ استوحشت وحشة شديدة؛ حتى ألقاك. ثم إنّي إذا ذكرت الآخرة؛ أخاف ألا أراك؛ لأنّك ترفع إلى عليين مع النبيين. وإني إن دخلت الجنة؛ كنت في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنّة؛ لا أراك أبدا... فنزلت الآية الكريمة.
وذكر مكيّ: أنّ عبد الله بن زيد، الذي أري الأذان في المنام هو الذي نزلت فيه الآية، وأنّه لمّا توفي النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: اللهم أعمني حتّى لا أرى شيئا بعده! فعمي. وحكاه القشيري، فقال:
اللهم أعمني فلا أرى شيئا بعد حبيبي! فعمي مكانه، وانظر الآية [٨٠] الآتية.
الإعراب: {وَمَنْ:} الواو: حرف استئناف. ({مَنْ}): اسم شرط جازم مبني على السكون في محلّ رفع مبتدأ. {يُطِعِ:} فعل مضارع فعل الشرط، والفاعل يعود إلى ({مَنْ}). {اللهُ:} منصوب على التعظيم. {وَالرَّسُولَ:} معطوف على ما قبله. {فَأُولئِكَ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط.
(أولئك): اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والكاف حرف خطاب لا محلّ له.
{مَعَ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. و ({مَعَ}) مضاف، و {الَّذِينَ:} اسم موصول