للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤمن بصفات المنافقين، فيكذب، ويخلف الوعد، ويخون في الأمانة، ويفجر في الخصومة. وما أكثرهم في هذا الزمن! فهذا يقال له: نفاق العمل، وأما الأول فيقال له: نفاق العقيدة؛ لأنه يظهر الإسلام، ويبطن الكفر، وهو أخبث من الكفر، وعقابه أشد منه. قال تعالى: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ} وقد حذر الرسول صلّى الله عليه وسلّم من نفاق العمل، والاتصاف به؛ لأنه قد يجر إلى نفاق العقيدة، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث؛ إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان؛ وإن صلّى، وصام، وحجّ، واعتمر، وقال إنّي مسلم».

أخرج بعضه البخاري، وبعضه مسلم، وآخره أبو يعلى من حديث أنس-رضي الله عنه-.

الإعراب: {وَلَيَعْلَمَنَّ:} الواو: حرف استئناف. اللام: واقعة في جواب قسم محذوف، تقديره: والله. (يعلمن): فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة التي هي حرف لا محل له. {اللهُ:} فاعله. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به، وجملة: {آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها، وجملة: {وَلَيَعْلَمَنَّ..}. إلخ لا محل لها؛ لأنها جواب القسم المقدر، والقسم، وجوابه كلام مستأنف لا محل له، وجملة {(وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ)} معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، وإعرابها واضح إن شاء الله تعالى.

{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢)}

الشرح: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا} أي: ديننا الذي ندين به، {وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ:} هذا أمر، وهو في تأويل الشرط، والجزاء؛ إذ المعنى: إن تتبعوا ديننا نحمل خطاياكم. وقيل: هو خبر عبر عنه بصيغة الطلب، مثل قوله تعالى في سورة (مريم) رقم [٧٥]: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا}. والحمل هنا بمعنى: الحمالة، لا الحمل على الظهر. وهذا قول صناديد قريش، كانوا يقولون لمن آمن منهم: لا نبعث نحن، ولا أنتم، فإن كان ذلك؛ فإنا نتحمل عنكم الإثم الذي تخافون سوء عاقبته. وقيل: القائل الوليد بن المغيرة. وقيل: أبو سفيان.

هذا؛ وإنك لترى في هذه الأيام بعض من يتسمون بالإسلام، وبأسماء المسلمين يستنون بأولئك الكفرة الفجرة، فيقول أحدهم لصاحبه إذا أراد أن يشجعه على ارتكاب بعض الجرائم: افعل هذا؛ وإثمه في عنقي. وكم من مغرور بمثل هذا الضمان من ضعفة العامة وجهلتهم!.

{وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ} أي: لا يحملون شيئا من أوزارهم. قال تعالى:

{وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} وانظر الآية التالية. {إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} أي: في قولهم؛ لأنهم قالوا ذلك؛ وقلوبهم على خلافه كالمرائين الذين يعدون؛ وفي قلوبهم نية الخلف. وأيضا فإنهم لا يستطيعون ذلك، بل، ولا أقل منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>