للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانت رسالة أيوب إلى أمة الروم، ولهذا يقولون: إنه من أمة الروم، وكان مقامه في دمشق، وأطرافها على ما ذكره بعض المؤرخين. انتهى. صابوني.

فائدة:

سئل سفيان الثوري عن عبدين: ابتلي أحدهما، فصبر، وأنعم الله على الآخر، فشكر، فقال: كلاهما سواء؛ لأن الله أثنى على عبدين: أحدهما صابر، والآخر شاكر ثناء واحدا، فقال في وصف أيوب: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ} وقال في وصف سليمان: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ} ولكن المنقول: أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر، والفقير الصابر يدخل الجنة قبله بنصف يوم، ومقداره: خمسمئة سنة؛ لأن الغني الشاكر يوقف ليحاسب على ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه؟.

انتهى. ما تقدم من الكشاف، والقرطبي، وغيرهما. وانفرد القرطبي بذكر ما يلي:

استدل بعض جهال المتزهدة، وطغام المتصوفة بقوله تعالى لأيوب: {اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ} على جواز الرقص. قال أبو الفرج الجوزي: وهذا احتجاج بارد؛ لأنه لو كان أمر بضرب الرّجل فرحا كان لهم فيه شبهة، وإنما أمر بضرب الرّجل لينبع الماء. وقال ابن عقيل: أين الدلالة في مبتلى أمر عند كشف البلاء بأن يضرب برجله الأرض؛ لينبع الماء إعجازا من الرقص؟! ولئن جاز أن يكون تحريك رجل قد أنحلها تحكم الهوام دلالة على جواز الرقص في الإسلام، جاز أن يجعل قوله لموسى: {اِضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ} دلالة على ضرب المحادّ بالقضبان. نعوذ بالله من التلاعب بالشرع، وقد احتج بعض قاصريهم بأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي-رضي الله عنه-: «أنت مني وأنا منك». فحجل، وقال لجعفر ابن عمه: «أشبهت خلقي وخلقي». فحجل، وقال لزيد بن حارثة: «أنت أخونا». فحجل، ومنهم من احتج بأن الحبشة زفنت؛ ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينظر إليهم. والجواب: أما الحجل فهو نوع من المشي يفعل عند الفرح، فأين هو والرقص؟ وكذلك زفن الحبشة نوع من المشي يفعل عند اللقاء للحرب. انتهى. وزفن، يزفن، زفنا: رقص، يرقص، رقصا. وأضيف: أنه يتعلق بذلك من الخزعبلات ما يحدث من ضرب الشيش ونحوه مما لا علاقة له بالدين، بل الدين منه براء.

هذا؛ وقد تكلم العز بن عبد السّلام-رحمه الله تعالى-في كتابه: «قواعد الأحكام في مصالح الأنام» عن البدع وأنواعها إلى أن قال في صفحة [٢٣٠ ج ٢] ما يلي:

وأما الرقص، والتصفيق؛ فخفة، ورعونة مشبهة لرعونة الإناث، لا يفعلها إلا راعن، أو متصنع كذاب، وكيف يتأتى الرقص المتزن، بأوزان الغناء من طاش لبه، وذهب عقله، وقد قال عليه الصلاة والسّلام: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم». ولم يكن أحد من هؤلاء الذين يقتدى بهم يفعل شيئا من ذلك.

وإنما استحوذ الشيطان على قوم يظنون: أن طربهم عند السماع إنما هو متعلق بالله، عز وجل، ولقد مانوا فيما قالوا، وكذبوا فيما ادعوا من جهة: أنهم عند سماع المطربات؛ وجدوا لذتين اثنتين: إحداهما: لذة المعارف والأحوال المتعلقة بذي الجلال، والثانية: لذة

<<  <  ج: ص:  >  >>