للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأصوات، والنغمات، والكلمات الموزونات الموجبات للذات النفس؛ التي ليست من الدين، ولا متعلقة بأمور الدين، فلما عظمت عندهم اللذتان؛ غلطوا، فظنوا: أن مجموع اللّذة إنما حصل بالمعارف، والأحوال، وليس كذلك؛ بل الأغلب عليهم حصول لذات النفوس؛ التي ليست من الدين بشيء. وقد حرم بعض العلماء التصفيق لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما التصفيق للنساء» ولعن عليه الصلاة والسّلام «المتشبّهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء». ومن هاب الإله، وأدرك شيئا من تعظيمه؛ لم يتصور منه رقص، ولا تصفيق، ولا يصدر التصفيق، والرقص إلا من غبي جاهل، ولا يصدران من عاقل فاضل، ويدل على جهالة فاعلهما: أن الشريعة لم ترد بهما في كتاب، ولا سنة، ولم يفعل ذلك أحد من الأنبياء، ولا معتبر من أتباع الأنبياء، وإنما يفعل ذلك الجهلة السفهاء؛ الذين ألتبست عليهم الحقائق بالأهواء، وقد قال تعالى: {وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ}.

وقد مضى السلف، وأفاضل الخلف؛ ولم يلابسوا شيئا من ذلك، ومن فعل ذلك، أو اعتقد: أنه غرض من أغراض نفسه، وليس بقربة إلى ربه، فإن كان ممن يقتدى به، ويعتقد: أنه ما فعل ذلك إلا لكونه قربة؛ فبئس ما صنع لإيهامه: أن هذا من الطاعات، وإنما هو من أقبح الرعونات، وأما الصياح، والتغاشي، والتباكي تصنعا، ورياء، فإن كان من حال لا تقتضيه؛ فقد أثم من وجهين:

أحدهما: إيهامه الحال التامة الموجبة لذلك.

والثاني: تصنعه به، ورياؤه، وإن كان عن حال تقتضيه أثم إثم ريائه لا غير، وكذلك نتف الشعور، وضرب الصدور، وتمزيق الثياب محرم لما فيه من إضاعة المال، وأي: ثمرة لضرب الصدور، ونتف الشعور، وشق الجيوبات إلا رعونات صادرة عن النفوس.

فإذا رأيت إنسانا يطير في الهواء، أو يمشي على الماء، أو يخبر بالمغيبات، ويخالف الشرع بارتكاب المحرمات بغير سبب محلّل، أو يترك الواجبات بغير سبب مجوّز؛ فاعلم أنه شيطان، نصبه الله فتنة للجهلة، وليس ذلك ببعيد من الأسباب؛ التي وضعها الله للضلال، فإن الدجال يحيي ويميت فتنة لأهل الضلال، وكذلك يأتي الخربة، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، وكذلك يظهر للناس: أنه معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار، وكذلك من يأكل الحيات، ويدخل النيران، فإنه مرتكب للحرام بأكل الحيات، وفاتن للناس بدخول النيران، ليقتدوا به في ضلالته، ويتابعوه على جهالته. انتهى. وما أحسن ما أنشده الشيخ ابن الحاج في كتابه المدخل: [البسيط] ليس التصوف لبس الصوف ترقعه... ولا بكاؤك إن غنّى المغنّونا

ولا صياح ولا رقص ولا طرب... ولا اختباط كأن قد صرت مجنونا

بل التصوف أن تصفو بلا كدر... وتتبع الحقّ والقرآن والدّينا

وأن ترى خاشعا لله مكتئبا... على ذنوبك طول الدّهر محزونا

<<  <  ج: ص:  >  >>