للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة الغاشية]

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة (الغاشية) مكية في قول الجميع، وهي ست وعشرون آية، واثنتان وتسعون كلمة، وثلاثمئة، وأحد وثمانون حرفا. وانظر حديث النعمان بن بشير-رضي الله عنهما-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في أول سورة (الأعلى).

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣)}

الشرح: {هَلْ} بمعنى: قد، كقوله تعالى في سورة (الدهر) رقم [١]: {هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ..}. إلخ قاله قطرب، انظر سورة (الدهر) فالبحث فيها قيم. {حَدِيثُ الْغاشِيَةِ} المعنى: هل سمعت، أو قرأت حديث الغاشية؟ وهي الداهية العظيمة؛ التي تغشى الناس، وتعمهم بشدائدها، وأهوالها، وهي القيامة. قال المفسرون: سميت غاشية؛ لأنها تغشى الخلائق بأهوالها، وشدائدها، وتعمهم بما فيها من المكاره، والكوارث العظيمة. ودليله قوله تعالى: {وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النّارُ} الآية رقم [٥٠] من سورة (إبراهيم) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. وقال تعالى في سورة (العنكبوت) رقم [٥٥]: {يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}. وقيل: معنى {هَلْ أَتاكَ} أي: هذا لم يكن من علمك، ولا من علم قومك. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لم يكن أتاه قبل ذلك على هذا التفصيل المذكور هاهنا.

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ:} ذليلة، وكل متذلل ساكن خاشع، يقال: خشع في صلاته: إذا تذلل، ونكّس رأسه. وخشع الصوت: خفي. قال تعالى: {وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً}. والمراد بالوجوه: أصحابها، فهو من إطلاق الجزء وإرادة الكل، وهذا من باب المجاز المرسل، ولأن الوجه أشرف أعضاء الإنسان فعبر به عنه. وانظر (الخشوع) في الآية رقم [٢١] من سورة (الحشر).

{عامِلَةٌ ناصِبَةٌ} أي: دائبة العمل فيما يتعبها، ويشقيها في النار. قال المفسرون: هذه الآية في الكفار، يتعبون، ويشقون بسبب جر السلاسل، والأغلال، وخوضهم في النار خوض الإبل في الوحل، والصعود، والهبوط في تلالها، ودركاتها، كما قال تعالى في سورة (غافر): {إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النّارِ يُسْجَرُونَ} وهذا جزاء تكبرهم في

<<  <  ج: ص:  >  >>