واستخف بها. قال المبرد، وثعلب: سفه بالكسر متعد، وبالضم لازم، ويشهد له ما جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم:«الكبر أن تسفه الحق، وتغمص الناس». والأول من باب طرب، والثاني من باب ظرف. هذا؛ وجاء في المختار:(وقولهم: سفه نفسه، وغبن رأيه، وبطر عيشه، وألم بطنه، ووفق أمره، ورشد أمره، كان الأصل: سفهت نفس زيد، ورشد أمره، فلما حول الفعل إلى الرجل، انتصب ما بعده بوقوع الفعل عليه؛ لأنه صار في معنى سفّه نفسه بالتشديد، هذا قول البصريين والكسائي، ويجوز عندهم تقديم هذا المنصوب، كما يجوز: غلامه ضرب زيد).
وقال الفراء: لما حول الفعل من النفس إلى صاحبها خرج ما بعده مفسرا ليدل على أن السفه فيه، وكان حكمه أن يكون سفه زيد نفسا؛ لأن المفسر لا يكون إلا نكرة، ولكنه ترك على إضافته، ونصب كنصب النكرة تشبيها بها. ولا يجوز عنده تقديمه؛ لأن المفسر لا يتقدم، ومثله قولهم: ضقت به ذرعا، وطبت به نفسا. والمعنى: ضاق ذرعي به، وطابت نفسي به. انتهى.
بحروفه. {وَإِنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ} أي: في ادعائك النبوة.
قال الخازن: والفرق بين إجابة قوم نوح: {إِنّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وبين إجابة قوم هود:
{إِنّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ:} أن نوحا كما خوف قومه في الطوفان، وأخذ في صنع السفينة، قال به قومه:{إِنّا لَنَراكَ..}. إلخ حيث تتعب في صنع سفينة في أرض ليس فيها من الماء شيء، وأما هود عليه السّلام فإنه لما زيف عبادة الأصنام، ونسب من عبدها إلى السفه وقلة العقل؛ قابلوه بمثله. انتهى بتصرف. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{قالَ الْمَلَأُ:} فعل، وفاعل. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل صفة {الْمَلَأُ} أو بدل منه، وجملة:{كَفَرُوا:} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول. {مِنْ قَوْمِهِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من: {الْمَلَأُ،} والهاء في محل جر بالإضافة:
{إِنّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ} انظر إعراب مثلها ومحلها في الآية رقم [٦٠] وإعراب: {وَإِنّا لَنَظُنُّكَ} مثلها معطوفة عليها فهي في محل نصب مقول القول. {مِنَ الْكاذِبِينَ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله الثاني، وجملة:{قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها؛ لأنها بمنزلة جواب لسؤال مقدر.
الشرح: شرح هذه الآية، وإعرابها مثل الآية رقم [٦١] واذكر ما كتبه الجمل عليها نقلا من أبي السعود، حيث قال: استدراك على ما قبله باعتبار ما يلزمه من كونه في الغاية القصوى من الرشد، فإن الرسالة من جهة رب العالمين موجبة لذلك، فكأنه قيل: ليس بي شيء مما تنسبونه إلي، ولكني في غاية الرشد، والصدق، ولم يصرح بنفي الكذب اكتفاء بما في حيز الاستدراك.