للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزمخشري. والثاني: أنّ خبر الأولى مستغنى عنه بخبر الثانية، يعني: أنه محذوف لفظا لدلالة ما بعده عليه. انتهى. جمل نقلا عن السمين.

أقول: وهذا يسمى: الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، وإن اعتبرت: {لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} خبر {إِنَّ} الأولى وما بينهما اعتراض، وحذف خبر الثانية لفظا، فيكون من حذف الثاني لدلالة الأول عليه. تأمّل. وانظر مبحث الحذف في كتابنا: «فتح القريب المجيب» الشاهد رقم [١٠٤٩] وما بعده. {هاجَرُوا:} ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق.

وانظر إعراب: {دَخَلُوا} في الآية رقم [٥٢] من سورة (الحجر)، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {مِنْ بَعْدِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {ما:} مصدرية. {فُتِنُوا:} ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعله، وما والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل جر بإضافة {بَعْدِ} إليه، التقدير: من بعد فتنتهم، وجملة: {جاهَدُوا وَصَبَرُوا} معطوفتان على جملة الصلة لا محل لهما مثلها، والجملة الاسمية: {إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا..}. إلخ معطوفة على الكلام السابق، لا محل لها أيضا، وجملة: {إِنَّ رَبَّكَ..}. إلخ الثانية مؤكدة للأولى. {مِنْ بَعْدِها:} متعلقان بما بعدهما على التنازع أيضا، و (ها): في محل جر بالإضافة، وهي عائدة على: «الفتنة». وقيل: عائدة على الهجرة، والجهاد، والصبر. {لَغَفُورٌ:} اللام: هي المزحلقة. (غفور): خبر (إنّ) الأولى، أو الثانية حسب ما رأيت سابقا. {رَحِيمٌ:} خبر ثان.

هذا؛ ومثلها في جميع وجوه الإعراب الآية رقم [١١٩] الآتية.

{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١)}

الشرح: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها} أي: اذكر يوم تأتي كل نفس تخاصم وتحاج عن نفسها. أي: فهي تشتغل بالمجادلة، لا تتفرغ إلى غيرها، والمراد بالنفس الأولى:

الروح، وبالثانية: الذات؛ أي: البدن، وبالثالثة: الروح، والبدن. وقيل: معنى هذه المجادلة:

الاعتذار بما لا يقبل، كقولهم: {وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ،} ونحو ذلك من الاعتذارات. {وَتُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ} أي: جزاء ما عملت في الدنيا من خير، أو شر. {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ:}

لا ينقصون من جزاء أعمالهم شيئا، بل يوفون ذلك كاملا من غير زيادة، أو نقصان، وواو الجماعة عائدة على معنى النفس الثالثة؛ فلذا جمع مذكرا، وانظر شرح النفس في الآية رقم [٥٣] من سورة (يوسف) عليه السّلام. وانظر شرح: {أَتى} في الآية رقم [١].

تنبيه: روي: أن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-قال لكعب الأحبار: يا كعب! خوّفنا هيّجنا حدّثنا نبّهنا! فقال له كعب: يا أمير المؤمنين! والذي نفسي بيده لو وافيت يوم القيامة بمثل

<<  <  ج: ص:  >  >>