للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤)}

الشرح: {أَلَمْ يَعْلَمُوا..}. إلخ أي: الذين تابوا وقبلت توبتهم، فيكون الاستفهام للتقرير والتبشير، أو الذين لم يتوبوا من المتخلفين عن غزوة تبوك، فيكون الاستفهام للتخصيص والترغيب في التوبة، وذلك أنه لما نزلت توبة التائبين قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين، هؤلاء كانوا بالأمس مثلنا، لا يكلمون، ولا يجالسون، فما بالهم اليوم، فأنزل الله الآية الكريمة ترغيبا لهم في التوبة، {عَنْ عِبادِهِ}: هو مثل (من عباده) لأن معنى (عن) و (من) متقاربان، هذا؛ و {عِبادِهِ} جمع عبد، هو الإنسان من بني آدم، حرا كان أو رقيقا، ويقال: للمملوك، قن، وله جموع كثيرة، وأشهرها عبيد وعباد، والإضافة في الآية ونحوها إضافة تشريف، {وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ}: يتقبلها، ويثيب عليها، وإنما ذكر لفظ الأخذ، ترغيبا في بذل الصدقة، وإعطائها للفقراء، ولما كان سبحانه هو المثيب عليها أسند الأخذ إلى نفسه، وإن كان الفقير هو الآخذ لها، وفي ذلك أذكر أحاديث شريفة لتزداد إيمانا فوق إيمانك بهذا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تصدّق أحدكم بصدقة من كسب حلال طيّب-ولا يقبل الله إلا الطيّب-إلاّ أخذها الرّحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كفّ الرحمن، حتّى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله». متفق عليه، وروى الترمذي، عن أبي هريرة أيضا، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يقبل الصّدقة، ويأخذها بيمينه، فيربيها لأحدكم، كما يربي أحدكم مهره؛ حتى إنّ اللقمة لتصير مثل أحد». وتصديق ذلك في كتاب الله: {هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ} و {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ} وروي: «إنّ الصّدقة لتقع في كفّ الرّحمن، قبل أن تقع في كفّ السائل، فيربيها كما يربي أحدكم فلوّه، أو فصيله، والله يضاعف لمن يشاء».

قال العلماء رحمهم الله تعالى في تأويل هذه الأحاديث: إن هذا كناية عن القبول والجزاء عليها، كما كنى سبحانه بنفسه الكريمة المقدسة، عن المريض تعطفا عليه بقوله في الحديث القدسي: «يا ابن آدم مرضت فلم تعدني... إلخ». الحديث، وخص اليمين والكف بالذكر؛ لأن كل قابل لشيء إنما يأخذه بكفه وبيمينه، أو يوضع له فيه، فخرج على ما يوفونه، والله عز وجل منزه عن الجارحة. {التَّوّابُ}: كثير قبول التوبة من عباده، أو الرجاع على عباده بالرحمة، وتوبة العبد رجوعه عن المعصية إلى الطاعة، وقرع باب ربه بالتوبة والإنابة، {الرَّحِيمُ}: انظر (البسملة) في أول سورة (يوسف) عليه السّلام.

الإعراب: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ}: انظر إعراب هذه الجملة مع سبك المصدر في الآية رقم [٧٨]. {هُوَ}: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، وجملة: {يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ}

<<  <  ج: ص:  >  >>