{وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا} مثل سابقه في إعرابه. {فَما:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (ما):
نافية. {لَهُمْ:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، أو في محل رفع اسم (ما) على اعتبارها حجازية تعمل عمل: «ليس». {مِنَ الْمُعْتَبِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، أو في محل نصب خبر (ما) والجملة الاسمية على الاعتبارين في محل جزم جواب الشرط... إلخ، و (إن) ومدخولها كلام معطوف على ما قبله، لا محل له مثله.
الشرح:{وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ} أي: هيأنا. وقال الزمخشري، وتبعه البيضاوي، والنسفي:
قدرنا لمشركي مكة. يقال: هذان ثوبان قيضان: إذا كانا متكافئين، والمقايضة: المعاوضة، وأرى: أن المعنى الأول أولى بالاعتبار، ومثله قوله تعالى في سورة (الزخرف) رقم [٣٦]: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}. قال ابن كثير: يذكر الله تعالى: أنه هو الذي أضل المشركين، وأن ذلك بمشيئته، وكونه، وقدرته، وهو الحكيم في أفعاله بما قيض لهم من القرناء من شياطين الإنس، والجن.
{فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ:} من أمر الدنيا، فحسنوه لهم؛ حتى آثروه على الآخرة، واتبعوا الشهوات. {وَما خَلْفَهُمْ} أي: من أمر الآخرة، حسنوا لهم ما بعد مماتهم، ودعوهم إلى التكذيب بأمور الآخرة: أن لا بعث، ولا حساب، ولا جزاء. وانظر ما ذكرته في سورة (غافر) رقم [٣٤] و [٣٧].
وقال الزجاج: زينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الآخرة: أنه لا بعث، ولا جنة، ولا نار، وما خلفهم من أمر الدنيا، بأن الدنيا قديمة، ولا صانع إلا الطبائع والأفلاك. قال القشيري: إذا أراد الله بعبد سوآ؛ قيض الله له إخوان سوء، وقرناء سوء يحملونه على المخالفات، ويدعونه إليها، ومن ذلك الشيطان، وأشر منه النفس، وبئس القرين يدعوه اليوم إلى ما فيه الهلاك، ويشهد عليه غدا. وإذا أراد الله بعبد خيرا؛ قيض له قرناء خير، يعينونه على الطاعة، ويحملونه عليها، ويدعونه إليها.
وروي عن أنس-رضي الله عنه-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«إذا أراد الله بعبده شرا، قيّض له قبل موته شيطانا، فلا يرى حسنا إلاّ قبّحه عنده، ولا قبيحا إلاّ حسّنه عنده». وعن عائشة-رضي الله عنها- «إذا أراد الله بالوالي خيرا؛ جعل له وزير صدق؛ إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه، وإن أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكّره، وإن ذكر لم يعنه».