سورة (الروم) الآية رقم [٧٥]: {فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} وخذ قول أبي الأسود الدؤلي، وهو الشاهد رقم [٩٦٠] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [المتقارب]
فألفيته غير مستعتب... ولا ذاكر الله إلاّ قليلا
هذا؛ والاستعتاب طلب العتاب، والمعتبة: هي الغلظة والموجدة التي يجدها الإنسان في نفسه على غيره، والرجل إنما يطلب العتاب من خصمه ليزيل ما في نفسه عليه من الموجدة والغضب، ويرجع إلى الرضا عنه، وإذا لم يطلب من خصمه العتاب دل ذلك على أنه ثابت على غضبه عليه، قال النابغة الذبياني: [الطويل]
فإن كنت مظلوما فعبدا ظلمته... وإن كنت ذا عتبى فمثلك يعتب
هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (غافر) رقم [٥٢]: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ} وفي المصباح المنير: عتب عليه عتبا من باب: ضرب، وقتل، ومعتبا أيضا:
لامه في سخط، فهو عاتب. وعتّاب مبالغة، وبه سمّي، ومنه عتّاب بن أسيد الصحابي-رضي الله عنه-. وعاتبه معاتبة، وعتابا. قال الخليل-رحمه الله تعالى-: حقيقة العتاب مخاطبة الإدلال، ومذاكرة الموجدة. وأعتبني: الهمزة للسلب؛ أي: أزال الشكوى، والعتاب، واستعتب: طلب الإعتاب، والعتبى: الاسم من الإعتاب. انتهى. جمل من سورة (الروم). وخذ ما يلي:
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يتمنّ أحدكم الموت، إمّا محسنا فلعلّه يزداد، وإمّا مسيئا فلعلّه يستعتب». رواه البخاري ومسلم.
قال الزمخشري في سورة (الروم): فإن قلت: كيف جعلوا غير مستعتبين في بعض الآيات، وغير معتبين في بعضها؟ قلت: أما كونهم غير مستعتبين؛ فهذا معناه؛ أي: ما تقدم، وأما كونهم غير معتبين فمعناه: أنهم غير راضين بما هم فيه، فشبهت حالهم بحال قوم جني عليهم، فهم عاتبون على الجاني، غير راضين عنه، فإن يستعتبوا الله؛ أي: يسألوه إزالة ما هم فيه، فما هم من المجابين إلى إزالته. انتهى. والله أعلم.
الإعراب: {فَإِنْ:} الفاء: حرف استئناف. (إن): حرف شرط جازم. {يَصْبِرُوا:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَالنّارُ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (النار):
مبتدأ. {مَثْوىً:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والثابتة دليل عليها، وليست عينها، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان ب: {مَثْوىً،} أو بمحذوف صفة له، والجملة الشرطية مستأنفة، لا محل لها.