للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شُكُوراً: أن يشكر الله على ما أولاه من النعم، أو ليكون الليل والنهار وقتين للذاكرين، والشاكرين. هذا؛ و {يَذَّكَّرَ} أصله: يتذكر، فقلبت التاء ذالا، وأدغمت الذال في الذال، ومثله كثير في القرآن الكريم، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ} انظر إعراب هذه الجملة في الآية رقم [٥٣] إفرادا، وجملا.

{وَالنَّهارَ:} معطوف على ما قبله. {خِلْفَةً:} مفعول به ثان، وقيل: هو على حذف مضاف، التقدير: ذوي خلفة. وقيل: هو حال. {لِمَنْ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل {جَعَلَ،} أو هما متعلقان بمحذوف صفة {خِلْفَةً}. {أَرادَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (من) وهو العائد، والمصدر المؤول من: {أَنْ يَذَّكَّرَ} في محل نصب مفعول به، ومفعول يذكر محذوف، التقدير:

أن يذكر ما فاته ونحو ذلك، وجملة: {أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ..}. إلخ: صلة الموصول لا محل لها.

{أَوْ:} حرف عطف، وجملة: {أَرادَ شُكُوراً} معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.

{وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣)}

الشرح: قال القرطبي رحمه الله تعالى: لما ذكر جهالات المشركين، وطعنهم في القرآن، والنبوة؛ ذكر عباده المؤمنين أيضا، وذكر صفاتهم، وأضافهم إلى عبوديته تشريفا لهم، كما قال في أول سورة (الإسراء): {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ..}. إلخ فمن أطاع الله، وعبده، وشغل سمعه، وبصره، ولسانه، وقلبه بما أمره به؛ فهو الذي يستحق اسم العبودية، ومن كان بعكس هذا؛ شمله قوله تعالى: {أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ} الآية رقم [١٧٩] من سورة (الأعراف)، وأيضا الآية رقم [٤٤] من هذه السورة.

{الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ:} عبارة عن عيشهم، ومدة حياتهم، وتصرفاتهم، فذكر من ذلك المهم، وهو المشي. {هَوْناً} أي: بالسكينة، والوقار، متواضعين، غير أشرين، ولا مرحين، ولا متكبرين، بل علماء حكماء، أصحاب وقار وعفة، ولذا كره الإسراع في المشي، قال الزهري: سرعة المشي تذهب بهاء الوجه. قال ابن عطية: يريد الإسراع الحثيث؛ لأنه يخل بالوقار؛ والخير في التوسط.

{وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ} أي: السفهاء بما يكرهونه. {قالُوا سَلاماً:} تسلّما منكم، ومتاركة لكم، فأقيم السّلام مقام التسلم، أي: وإن سفه عليهم جاهل؛ حلموا، ولم يجهلوا، وليس المراد السّلام المعروف، فالإغضاء عن السفهاء مستحسن شرعا ومروءة، قال القرطبي: هذه الآية كانت قبل آية السيف، نسخ منها ما يخص الكفرة، وبقي أدبها في المسلمين إلى يوم القيامة، فالإعراض عن الجاهلين في كل وقت، وحين هو المطلوب من المسلم؛ ليسلم له

<<  <  ج: ص:  >  >>