يطعمه، فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت إفطاره. وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«سياحة أمّتي الصّيام». أخرجه الطبراني عن أبي هريرة-رضي الله عنه-وهذا استدل به ابن عباس-رضي الله عنهما-لما ذكرته. وقال زيد بن أسلم-رحمه الله تعالى-: {سائِحاتٍ} مهاجرات، وتلا قوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [١١٢]: {التّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ..}. إلخ ولعل هذا الرأي:
أرجح؛ لأنه يتفق مع المعنى اللغوي للسياحة، وهي السفر في الأرض للاعتبار.
{ثَيِّباتٍ:} جمع ثيب، وهي التي تزوجت، ثم بانت بوجه من الوجوه، وثابت. أي:
رجعت إلى بيت أبويها. {وَأَبْكاراً} أي: عذارى، جمع: بكر، والمعنى: منهن ثيبات، ومنهن أبكار، قال ابن كثير-رحمه الله تعالى-: قسمهن إلى نوعين، ليكون ذلك أشهى إلى النفس، وإنما دخلت واو العطف بين ثيبات، وأبكارا للتنويع، والتقسيم، ولو سقطت لاختل المعنى؛ لأن الثيوبة والبكارة لا يجتمعان في امرأة أبدا. فتدبر سر القرآن وبلاغته. هذا؛ وقيل: إن الواو واو الثمانية، وقد استوفيت الكلام على هذه الواو في الآية رقم [٢٢] من سورة (الكهف)، فانظره هناك إن شئت تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
خاتمة:
روى البخاري عن أنس-رضي الله عنه-قال: قال عمر-رضي الله عنه-: اجتمع نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم في الغيرة عليه، فقلت لهن:{عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ} فنزلت هذه الآية. ولمسلم عن ابن عباس-رضي الله عنهما-نحوه. وفيه قال: دخلت عليه، فقلت: يا رسول الله! ما يشق عليك من شأن النساء؟ فإن طلقتهن، فإن الله معك، وملائكته، وجبريل، وميكائيل، وأنا، وأبو بكر، والمؤمنون معك، وقلما تكلمت-وأحمد الله-بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول، فنزلت:{وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ} وأيضا قوله تعالى: {عَسى رَبُّهُ..}. إلخ.
هذا؛ وقد ثبت: أن الله صدق قوله، وحقق طلبته في أربعة عشر موضعا في كتاب الله تعالى، منها: قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٢٥]: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى}. ومنها:
الآية رقم [٦٠] من سورة (النساء) حيث قتل المنافق؛ الذي لم يرض بحكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
والآيات رقم [٩٠] والتي بعدها من سورة (المائدة) حيث نزلت بتحريم الخمر موافقة لما كان يطلب من الرسول صلّى الله عليه وسلّم. والآيات رقم [٦٧] وما بعدها من سورة (الأنفال) التي نزلت في شأن أسرى بدر موافقة لرأيه. والآية رقم [٨٤] من سورة (التوبة) التي نزلت في شأن النهي عن الصلاة على المنافقين إذا ماتوا. والآية رقم [٥٩] من سورة (الأحزاب) التي نزلت في الحجاب موافقة لطلبته. وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«ما سلك عمر فجّا إلا وسلك الشّيطان فجّا غير فجّه». وقد نزل جبريل عليه السّلام بتسميته الفاروق يوم أعلن إسلامه في مكة، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب يوم العرض، والحساب، وخاب الذين يسبونه، ويفترون عليه المفتريات.