للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم، وينصرهم عليهم. {إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ} أي: خوان في أمانة الله، كفور لنعمته، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: خانوا الله، فجعلوا معه شريكا، وكفروا نعمه. هذا؛ وكل من أشرك مع الله أحدا في ذاته، أو في أفعاله، فهو خائن، و {خَوّانٍ} صيغة مبالغة، و {كَفُورٍ} كذلك، وانظر (الكفر) في الآية رقم [٣٠]، وانظر خيانة الله والرسول في الآية رقم [٢٧] من سورة (الأنفال).

تنبيه: في الآية الكريمة مسألة بيانية لم يتعرض لها المفسرون، وهي أنه إذا وقعت «كل» في حيز النفي-أي: بعده-كان النفي موجها إلى الشمول خاصة، وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الأفراد، كقولك: (ما جاء كلّ القوم، ولم آخذ كلّ الدراهم، وكلّ الدّراهم لم آخذ). وإن وقع النفي في حيزها-أي: بعدها لفظا، ومحلا-اقتضى السلب عن كل فرد، كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قال له ذو اليدين: أنسيت أم قصرت الصلاة يا رسول الله؟!: «كلّ ذلك لم يكن» وقد يشكل على قولهم قوله تعالى في هذه الآية: {إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ،} وكقوله تعالى في سورة (لقمان) رقم [١٨]: {وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ،} وقوله في سورة (البقرة) رقم [٢٧٦]: {وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفّارٍ أَثِيمٍ،} وقوله تعالى في سورة (ن) رقم [١٠]: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ،} حيث وقعت (كل) في حيز النفي، فتفيد أن المنفي الشمول، وأن البعض ثابت له المحبة من الله تعالى.

والجواب عن الآيات: أن دلالة المفهوم، إنما يعول عليها عند عدم المعارض، وهو هنا موجود؛ إذ دل الدليل وهو الإجماع على تحريم الخيانة، والكفر، والاختيال، والفخر، والحلف، ومستند هذا الإجماع الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة الكثيرة. وأخيرا: فمعنى عدم محبة الله لهؤلاء كناية عن بغضهم، والسخط عليهم، وطردهم من رحمة الله، وأما محبته تعالى للعبد؛ فكناية عن رضاه عنه، وغفر ذنوبه، وستر عيوبه.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:} اسمها. {يُدافِعُ:} مضارع، والفاعل يعود إلى {اللهَ} والجملة الفعلية في محل رفع خبر {إِنَّ،} والجملة الاسمية ابتدائية، أو مستأنفة لا محل لها على الاعتبارين. {عَنِ الَّذِينَ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة: {آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول لا محل لها. وإعراب الجملة الثانية واضح إن شاء الله تعالى. هذا؛ و {كَفُورٍ} صفة ل‍: {خَوّانٍ} في الظاهر، وفي الحقيقة إنما هما صفتان لموصوف محذوف، التقدير: إن الله لا يحب كل شخص أو عبد خوان كفور، فهما صيغتا مبالغة، كما رأيت، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها مثل سابقتها. والله أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على الهادي، وسلّم.

{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)}

الشرح: {أُذِنَ لِلَّذِينَ..}. إلخ: أي: أذن الله للمسلمين بالجهاد؛ ليقاتلوا المشركين. قال المفسرون: كان المشركون من أهل مكة يؤذون المؤمنين، فلا يزالون يجيئون من بين مضروب،

<<  <  ج: ص:  >  >>