الشرح:{وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً} أي: رسولا ينذرهم، كما قسمنا المطر بين الناس، ولكننا لم نفعل، بل جعلناك نذيرا لجميع البشر لترتفع درجتك، ويزداد فضلك وقدرك، وفضلناك على سائر الرسل، وهذا معنى قوله تعالى:{وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}{وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ}.
{فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ:} فيما يريدونك عليه، وحاشاه صلّى الله عليه وسلّم أن يطيع الكافرين، وإنما أراد سبحانه وتعالى بهذا تهييجه، وتهييج أصحابه، وتحريكهم. {وَجاهِدْهُمْ بِهِ} أي: بالقرآن، أي جادلهم به، وقرعهم بالعجز عن معارضته. {جِهاداً كَبِيراً:} جامعا لكل أنواع المجاهدة.
والمراد: أن الكفار يجدّون، ويجتهدون في معارضتك، ومحاربتك، وتوهين أمرك، وصد الناس عنك، فقابلهم بما تقدر عليه من جدك واجتهادك، وعضك على نواجذك بما تغلبهم به، وترد كيدهم في نحورهم، وإن مجاهدة السفهاء بالحجج أكبر من مجاهدة الأعداء بالسيف، ومنه قوله تعالى:{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ..}. إلخ.
الإعراب:{وَلَوْ:} الواو: حرف استئناف. (لو): حرف لما كان سيقع لوقوع غيره.
{شِئْنا:} فعل، وفاعل، ومفعوله محذوف، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لَبَعَثْنا:} اللام: واقعة في جواب (لو). (بعثنا): فعل، وفاعل. {فِي كُلِّ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان ب {نَذِيراً} بعدهما. و {كُلِّ} مضاف، و {قَرْيَةٍ} مضاف إليه. {نَذِيراً:} مفعول به، وجملة:{لَبَعَثْنا..}. إلخ جواب (لو)، لا محل لها، و (لو) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. {فَلا:} الفاء: حرف عطف على رأي من يجيز عطف الإنشاء على الخبر، وابن هشام يعتبرها للسببية المحضة، وأراها الفاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان ذلك حاصلا وواقعا؛ فلا... إلخ. (لا):
ناهية جازمة. {تُطِعِ:} فعل مضارع مجزوم ب (لا)، والفاعل مستتر فيه وجوبا، تقديره:«أنت»{الْكافِرِينَ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وجملة:{فَلا تُطِعِ..}. إلخ لا محل لها على جميع الوجوه المعتبرة في الفاء. {وَجاهِدْهُمْ:} فعل أمر، والفاعل مستتر تقديره:«أنت»، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها. {بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما.