ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: ما عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه في الأرض، وقرأ هذه الآية. وهذا كما روي مرفوعا:«ما من ساعة من ليل، ولا نهار؛ إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء». وروي عن ابن مسعود يرفعه قال:«ليس من سنة بأمطر من سنة أخرى، ولكن الله عز وجل قسم هذه الأرزاق، فجعلها في هذه السماء الدنيا، في هذا القطر ينزل منه كل سنة بكيل معلوم، ووزن معلوم، وإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم، وإذا عصوا جميعا صرف الله ذلك المطر إلى الفيافي والبحار».
وقال القرطبي: الضمير المنصوب يعود إلى القرآن، وقد جرى ذكره في الآية رقم [١]، وفي الآية رقم [٢٩]، وفي الآية رقم [٣٠] وهي على التوالي {تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ}. {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي}. {اِتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} فيكون كما في الآية رقم [٤١] من سورة (الإسراء) ولم يوافق القرطبي عليه أحد من المفسرين. {لِيَذَّكَّرُوا:} ليتعظوا، ويعتبروا، وقرئ الفعل بالتخفيف هنا، وفي سورة (الإسراء) فيكون بمعنى الذكر.
{فَأَبى أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً} أي: جحودا لنعم الله تعالى، وقلة الاكتراث لها، أو جحودها بأن يقولوا: مطرنا بنوء كذا، ومن لا يرى الأمطار إلا بالأنواء كافر، بخلاف من يرى أنها من خلق الله، والأنواء وسائط، وأمارات يجعله جل ذكره وتعالى شأنه، فعن زيد بن خالد الجهني-رضي الله عنه-: أنه قال: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الصبح بالحديبية في إثر ماء من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال:«هل تدرون ماذا قال ربكم؟». قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: يقول: «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي، وكافر بالكواكب، وأمّا من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب». متفق عليه. انتهى. خازن.
الإعراب:{وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ:} انظر الآية رقم [٣٥] ففيها الكفاية. {بَيْنَهُمْ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {لِيَذَّكَّرُوا:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، وعلامة نصبه حذف النون لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف للتفريق، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر بلام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة:{وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ..}. إلخ جواب القسم المقدر لا محل لها، والقسم، وجوابه كلام مستأنف لا محل له.
{فَأَبى:} الفاء: حرف عطف. (أبى): فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر.
{أَكْثَرُ:} فاعله، و {أَكْثَرُ} مضاف، و {النّاسِ} مضاف إليه. {إِلاّ:} حرف حصر.
{كُفُوراً:} مفعول به، وقيل: مفعول مطلق، ولا وجه له البتة، وجملة:{فَأَبى..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.