للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زكريا عليه السّلام متغيرا لونه، فأنكروا ذلك عليه، وقالوا: مالك. {فَأَوْحى إِلَيْهِمْ} أي: أشار إليهم، وهو معنى {رَمْزاً} المذكور في (آل عمران). {أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} أي: صلوا لله، ونزهوه، وقدسوه طرفي النهار؛ أي: في الصباح، والمساء. هذا؛ و {الْمِحْرابِ} مأخوذ من المحاربة، كأن ملازم يحارب الشيطان، والشهوات، ولذلك يقال لكل محل من محال العبادة:

محراب. وانظر (الغداة) و (العشي) في الآية رقم [٢٨] من سورة (الكهف)، والمحال عليها من سورة (الرعد). وانظر شرح (قوم) في الآية رقم [١٣] من سورة (النحل). وينبغي أن تعلم: أن المدة التي مضت بين البشارة بيحيى عليه السّلام وبين حمل أمه به هي ثلاث عشرة سنة. وقال الجمل: وبين وجوده في الخارج بالفعل؛ أي: ولادته. والله أعلم، وأجل، وأكرم.

الإعراب: {فَخَرَجَ:} الفاء: حرف استئناف. (خرج): ماض، وفاعله يعود إلى زكريا. {عَلى قَوْمِهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. وقيل: متعلقان بمحذوف حال، ولا وجه له، والهاء في محل جر بالإضافة. {مِنَ الْمِحْرابِ:} متعلقان به أيضا، وجملة: {فَخَرَجَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. (أوحى): ماض، والفاعل يعود إلى زكريا أيضا. {إِلَيْهِمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {أَنْ:} حرف تفسير. {سَبِّحُوا:}

أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، ومفعوله محذوف، والجملة الفعلية مفسرة لا محل لها. {بُكْرَةً:} ظرف زمان متعلق بالفعل قبله. {وَعَشِيًّا:} ظرف زمان معطوف على ما قبله. هذا؛ وأجيز اعتبار {أَنْ} مصدرية تؤوّل مع الفعل بمصدر في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: بتسبيحه. والأول: أقوى؛ لأن {أَنْ} مسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه.

{يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢)}

الشرح: {يا يَحْيى..}. إلخ: في الكلام حذف يدل عليه المقام؛ إذ التقدير: فولد له ولد، وقال الله له: يا يحيى.. إلخ: والمراد: ب‍: {الْكِتابَ} التوراة بلا خلاف، ومعنى {بِقُوَّةٍ} بجد، واجتهاد. وهذا يتطلب حفظه والعمل به، والالتزام لأوامره، والكف عن نواهيه. {وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} أي: الأحكام والمعرفة بها. روى معمر أن الصبيان قالوا ليحيى: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للّعب خلقت. هذا؛ وقيل: كان ابن سنتين، أو ثلاث سنين حين أعطاه الله النبوة، وهذا من خوارق العادات للأنبياء. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: من قرأ القرآن قبل أن يحتلم، فهو ممن، أوتي الحكم صبيا. وروي في تفسير هذه الآية من طريق عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ بني آدم يأتي يوم القيامة، وله ذنب إلاّ ما كان من يحيى بن زكريّا». وانظر شرح: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} في الآية رقم [٣٩] من سورة (آل عمران).

<<  <  ج: ص:  >  >>