لا نَرى رِجالاً... إلخ: هذا إخبار الله عن الكفار في النار: أنهم يفتقدون رجالا كانوا في الدنيا يعتقدون: أنهم على الضلالة، وهم المؤمنون في زعمهم، قالوا: ما لنا لا نراهم معنا في النار؟ قال ابن عباس، ومجاهد-رضي الله عنهما-: يقول أبو جهل: أين بلال، أين صهيب، أين عمار؟ أولئك في الفردوس! واعجبا لأبي جهل! مسكين، أسلم ابنه عكرمة، وابنته جويرية، وأسلمت أمه، وأسلم أخوه، وكفر هو، ورحم الله الشاعر الذي يقول: [الطويل]
ونورا أضاء الأرض شرقا ومغربا... وموضع رجلي منه أسود مظلم
قال ابن كثير-رحمه الله تعالى-: وهذا ضرب مثل، وإلا فكل الكفار هذا حالهم، يعتقدون: أن المؤمنين يدخلون النار، فلما دخل الكفار النار؛ افتقدوهم، فلم يجدوهم، فقالوا:
{ما لَنا لا نَرى..}. إلخ انتهى.
الإعراب: {وَقالُوا:} الواو: حرف عطف. (قالوا): فعل ماض، والواو فاعله، والألف للتفريق. {ما:} اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {لَنا:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبره، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول. {لا:} نافية. {نَرى:}
فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل مستتر تقديره:
«نحن»، والجملة الفعلية في محل نصب حال من (نا)، والعامل الاستفهام. {رِجالاً:} مفعول به. {كُنّا:} فعل ماض ناقص، مبني على السكون، و (نا): اسمه. {نَعُدُّهُمْ:} فعل مضارع، والفاعل تقديره: «نحن»، والهاء مفعول به. {مِنَ الْأَشْرارِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله الثاني، وجملة: {كُنّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ} في محل نصب صفة: {رِجالاً،} وجملة: {وَقالُوا..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
{أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣)}
الشرح: {أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا} أي: يؤنبون أنفسهم قائلين: أجعلنا هؤلاء المؤمنين في الدنيا هزآ، وسخرية؟ أم هم معنا في النار، ولكن لا نراهم. قال البيضاوي: إنكار على أنفسهم، وتأنيب لها في الاستسخار من المؤمنين، كأنهم قالوا: ليسوا هاهنا في النار، أم مالت عنهم أبصارنا فلا نراهم؟. انتهى. صفوة التفاسير. وقيل: معنى {زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ} أي:
احتقرناهم في الدنيا، فلم نأبه لهم؛ ولذا قال الحسن البصري-رحمه الله تعالى-: كل ذلك فعلوا، اتخذوهم سخريا، وزاغت عنهم أبصارهم في الدنيا محقرة لهم.
هذا؛ ويقرأ بهمزة الوصل، وعليه فلا يوقف على {الْأَشْرارِ،} وتكون الجملة الفعلية حالا من: {الْأَشْرارِ}. وقال النحاس، والسجستاني: هي نعت ل: {رِجالاً،} أقول: ويجوز اعتبارها حالا أيضا منه لوصفه بما تقدم، ويقرأ بقطع الهمزة، وعليه فيوقف على {الْأَشْرارِ}. وانظر