الشرح: نزلت الاية الكريمة في خولة بنت ثعلبة-رضي الله عنها-وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت-رضي الله عنهما-وهو رجل أدركه الكبر، وألحت عليه الشيخوخة حتى أفسدت بعض رأيه، وجعلته متبرما بكل شيء، ضعيف الاحتمال لأي شيء، لا يطيق نقاشا في رأي يرتئيه، ولا يحتمل معارضة في أمر يشير به، فدار بينه وبين زوجته حديث، فراجعته في بعض الكلام، فساءه ذلك، وأثار في نفسه، وأغضبه، فالتفت إليها، وألقى في وجهها بكلمة اعتاد كثير من الناس أن يلقوا بها وبأمثالها في وجوه نسائهم إذا غضبوا، فقال لها:
أنت عليّ كظهر أمي.
هذه عبارة كان العرب في جاهليتهم يحرمون بها نساءهم على أنفسهم، يشبه الرجل منهم زوجته بظهر أمه، وأمه عليه حرام، فتحرم عليه بهذا زوجته، قذف أوس في وجه زوجته، وربة بيته، وأم أبنائه، وبناته بهذه العبارة الموروثة، ولكن لم يلبث أن سكن غضبه، فأراد أن يعاود زوجته، ولكنها أبت حتى تستفتي في أمرها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلقت إليه تسعى، وقصت عليه قصتها، وانتظرت أن تنفرج شفتاه عن حكم تعود به إلى بيتها، وزوجها، وأولادها، ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يكن قد نزل عليه في مثل ذلك وحي من ربه، فقال لها:«ما أراك إلا قد حرمت عليه، ولم ينزل عليّ في أمرك شيء». فراجعته، وقالت: يا رسول الله! إنه ما ذكر لفظ الطلاق، فأعاد عليها حكمه:«ما أراك إلا قد حرمت عليه».
وقفت المرأة بهذا وجها لوجه أمام معضلة عسيرة، وتمثل لها بؤس ما هي قادمة عليه من فرقة، وشتات بعدما نعمت به من ألفة، واجتماع، فأبت بغريزتها أن يكون ذلك مصيرها، وغاية أمرها، فظلت تراجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتجادله، وتناشده أن يجد لمعضلتها حلا غير هذا الحل،