الشرح: قال المفسرون: نزلت الاية الكريمة في نفر من بني أسد بن خزيمة، قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سنة مجدبة، فأظهروا الإسلام، ولم يكونوا مؤمنين في السر، فأفسدوا طرق المدينة بالعذرات، وأغلوا أسعارها، وكانوا يغدون، ويروحون إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويقولون:
أتتك العرب بأنفسهم على ظهور رواحلها، وجئناك بالأثقال، والعيال، والذراري، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، وبنو فلان. يمنون على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك، ويريدون الصدقة، ويقولون:
أعطنا. فأنزل الله فيهم هذه الاية.
وقيل: نزلت في الأعراب الذين ذكرهم الله في سورة (الفتح)، وهم: جهينة، ومزينة... إلخ، كانوا يقولون: آمنا؛ ليأمنوا على أنفسهم، وأموالهم، فلما استنفروا للحديبية؛ تخلفوا عنها، فأنزل الله عزّ وجل الاية الكريمة. انظر الاية رقم [١١] من سورة (الفتح).
{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} أي: لم تصدقوا بقلوبكم، ولم يدخلها الإيمان. {وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا} أي:
استسلمنا، وانقدنا مخافة القتل، والأسر، والسبي. وهذه صفة المنافقين؛ لأنهم أسلموا في الظاهر؛ ولم تؤمن قلوبهم. قال الحميدي-رحمه الله تعالى-: اعلم: أنّ الإسلام هو الدخول في السلم، وهو الانقياد والطاعة، فمن الإسلام ما هو طاعة على الحقيقة باللسان، والأبدان، والجنان لقوله عزّ وجل لإبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام- «أسلم، قال:
أسلمت لربّ العالمين». ومنه ما هو انقياد باللسان دون القلب، وذلك قوله تعالى:{وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا..}. إلخ.
فإن قلت: المؤمن، والمسلم واحد عند أهل السنة، فكيف يفهم ذلك مع هذا القول؟ قلت:
بين العام، والخاص فرق، فالإيمان لا يحصل إلاّ بالقلب، والانقياد قد يحصل بالقلب، وقد يحصل باللسان، فالإسلام أعم، والإيمان أخص، لكن العام في صورة الخاص متحد مع الخاص، ولا يكون أمرا غيره، فالعام والخاص مختلفان في العموم والخصوص، متحدان في الوجود، فذلك المؤمن، والمسلم. انتهى. خازن. أقول: ومن تعريف الإيمان، والإسلام يتضح لك فحوى ما تقدم، فقد عرفوا الإيمان بأنه التصديق بالقلب مع الثقة، وطمأنينة النفس عليه، والإسلام هو الدخول في السلم، والخروج من أن يكون حربا للمسلمين مع إظهار الشهادتين، وهو مقتضى حديث جبريل عليه السّلام حين سأل الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن الإسلام، والإيمان، وهو في